لَا يُوجِبُ يَمِينًا عَلَى الطَّالِبِ وَكَذَلِكَ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ وَمَعَ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الطَّالِبَانِ يَمِينَهُمَا مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ بَلْ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ أَيْ عَدِيًّا بِمَا يَعْظُمُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْكُفَّارُ وَالْمَعْنَى مِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ أَوْ آخَرَانِ من غَيْركُمْ أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِظَاهِرِهَا فَلَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَبِإِيمَائِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَبَقِيَتْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى حَالِهَا وَخَصَّ جَمَاعَةٌ الْقَبُولَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِالْوَصِيَّةِ وَبِفَقْدِ الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ مِنْهُمُ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْح وبن سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَوَّى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ الْبَابِ فَإِنَّ سِيَاقَهُ مُطَابِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْعَشِيرَةُ وَالْمَعْنَى مِنْكُمْ أَوْ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَاحْتَجَّ لَهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّ لَفْظَ آخَرَ لَا بُدَّ أَنْ يُشَارِكَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الصِّفَةِ حَتَّى لَا يَسُوغَ أَنْ تَقُولَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَرِيمٍ وَلَئِيمٍ آخَرَ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ وُصِفَ الِاثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرَانِ كَذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ سَاغَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا حَكَى سَبَبَ النُّزُولِ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الحَدِيث الْمَرْفُوع اتِّفَاقًا وَأَيْضًا فَفِي مَا قَالَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ اتِّصَافَ الْكَافِرِ بِالْعَدَالَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَمَنْ قَبِلَهَا وَصَفَهُ بِهَا وَمَنْ لَا فَلَا وَاعْتَرَضَ أَبُو حِبَّانَ عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَلَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَآخَرُ كَافِرٌ صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ آخَرُ وَالْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ آخَرَانِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةُ رَجُلَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَرَجُلَانِ اثْنَانِ وَرَجُلَانِ آخَرَانِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَأَنَّ نَاسِخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاء وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرُ شَرٌّ مِنَ الْفَاسِقِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَبِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى صَحَّ عَن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَجَمْعٍ مِنَ السّلف أَن سُورَة الْمَائِدَة محكمَة وَعَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِ اتُّهِمَا اسْتُحْلِفَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ حَضَرَتْ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْوَفَاةُ بِدُقُوقَا وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَأَخْبَرَ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا كَتَمَا وَلَا بَدَّلَا وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا وَرَجَّحَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَسَبَقَهُ الطَّبَرِيُّ لِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا خطاب للْمُؤْمِنين فَلَمَّا قَالَ أَو آخرَانِ وضح أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ الْمُخَاطَبِينَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَيْضًا فَجَوَازُ اسْتِشْهَادِ الْمُسْلِمِ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِالسَّفَرِ وَأَنَّ