قَالَ بن الْمُنِيرِ احْتَرَزَ عَمَّا إِذَا وَقَفَ الْوَاحِدُ الْمُشَاعَ فَإِنَّ مَالِكًا لَا يُجِيزُهُ لِئَلَّا يُدْخِلَ الضَّرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ وَقْفَ الْمُشَاعِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ أَبْوَابٍ أَنَّهُ تَرْجَمَ إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ بَعْضَ مَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْفُ الْوَاحِدِ الْمُشَاعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُطَوَّلًا فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُمْ تَصَدَّقُوا بِالْأَرْضِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَفَعَ ثَمَنَ الْأَرْضِ لِمَالِكِهَا مِنْهُمْ وَقَدْرُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَتِ الْحُجَّةُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ وَقْفُ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحُكْمَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْجِدِ يَثْبُتُ لِلْبِنَاءِ إِذَا وَقَعَ بِصُورَةِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحِ الْبَانِي بِذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ أُذِّنَ فِيهِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ أَذِنَ لِلْجَمَاعَةِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ ثَبَتَ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِلَّا إِنْ صَرَّحَ الْبَانِي بِالْوَقْفِيَّةِ أَوْ ذَكَرَ صِيغَةً مُحْتَمَلَةً وَنَوَى مَعَهَا وَجَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِمِثْلِ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنْ فِي الْمَوَاتِ خَاصَّةً وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَا نَفْيِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[2771] قَوْلُهُ لَا نَطْلُبُ ثَمَنُهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ أَيْ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ مِنْ أَحَدٍ لَكِنْ هُوَ مَصْرُوفٌ إِلَى اللَّهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُنْقَطِعٌ أَوِ التَّقْدِيرُ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا مصروفا إِلَى الله فَهُوَ مُتَّصِل
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ وَقْفِ عُمَرَ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ فِي آخِرِ الشُّرُوطِ فِي الْوَقْفِ وَتَرْجَمَ لَهُ بَعْدَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَبَعْدَ بَابَيْنِ نَفَقَةُ قَيِّمِ الْوَقْفِ وَمِنْ قَبْلُ بِأَبْوَابٍ مَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ هَذَا جَمِيعُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَوْرَدَهُ فِيهَا مَوْصُولًا طَوَّلَهُ فِي بَعْضِهَا وَاسْتَدَلَّ مِنْهُ بِأَطْرَافٍ