النَّهْيِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُتَلَقِّي فَيَطْلُبَ مِنَ الْجَالِبِ الْبَيْعَ فَلَوِ ابْتَدَأَ الْجَالِبُ بِطَلَبِ الْبَيْعِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْمُتَلَقِّي لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ وَذَكَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي صُورَةِ التَّلَقِّي الْمُحَرَّمِ أَنْ يَكْذِبَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّخُولِ وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقِ الشِّيرَازِيُّ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَسَادِ مَا مَعَهُمْ لِيَغْبِنَهُمْ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ التَّقْيِيدَاتِ إِثْبَاتُ الْخِيَارِ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَلَقٍّ لَكِنْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ كَوْنَ إِخْبَارِهِ كَذِبًا لَيْسَ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إِذَا ظَهَرَ الْغَبْنُ فَهُوَ الْمُعْتَبر وجودا وعدما ثَالِثهَا حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمُصَرَّاةِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا
[2164] قَوْلُهُ وَنَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ فِي التَّلَقِّي بِمَا إِذَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُبَايَعَةِ رَابِعُهَا حَدِيث بن عُمَرَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَلَّتِ الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى أَوَّلِ السُّوقِ لَا يُلَقَّى حَتَّى يَدْخُلَ السُّوقَ وَإِلَى هَذَا ذهب أَحْمد وَإِسْحَاق وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مُنْتَهَى النَّهْيِ عَنِ التَّلَقِّي لَا يَدْخُلُ الْبَلَدَ سَوَاءٌ وَصَلَ إِلَى السُّوقِ أَمْ لَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي حَدِّ التَّلَقِّي
[2165] قَوْلُهُ وَلَا تَلَقَّوُا السِّلَعَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَمِّ الْوَاوِ أَيْ تَتَلَقَّوُا فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ ثُمَّ إِنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ عَنِ التَّلَقِّي يَتَنَاوَلُ طُولَ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ مَحَلَّ النَّهْيِ بِحَدٍّ مَخْصُوصٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ مِيلٌ وَقِيلَ فَرْسَخَانِ وَقِيلَ يَوْمَانِ وَقِيلَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَمَّا ابْتِدَاؤُهَا فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ
أَيْ وَابْتِدَائِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِانْتِهَائِهِ مِنْ جِهَةِ الْجَالِبِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُتَلَقِّي فَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهُ الْخُرُوجُ مِنَ السُّوقِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالطَّعَامِ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنِ التَّبَايُعِ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّلَقِّيَ إِلَى أَعْلَى السُّوقِ جَائِزٌ فَإِنْ خَرَجَ عَنِ السُّوقِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَحَدُّ ابْتِدَاءِ التَّلَقِّي عِنْدَهُمُ الْخُرُوجُ مِنَ الْبَلَدِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا قَدِمُوا الْبَلَدَ أَمْكَنَهُمْ مَعْرِفَةُ السِّعْرِ وَطَلَبُ الْحَظِّ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَقْصِيرِهِمْ وَأَمَّا إِمْكَانُ مَعْرِفَتِهِمْ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ فَنَادِرٌ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اعْتِبَارُ السُّوقِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَنِ اللَّيْثِ