وَأَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ وَنَبَّهَ الْغَافِلَ بِذَلِكَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ وَأَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُ الْمُبَيِّنِ عَنِ اللَّهِ مُرَادَهُ فَيَكُونُ اجْتِنَابُ الْمُفْطِرَاتِ وَاجِبًا وَاجْتِنَابُ مَا عَدَاهَا مِنَ الْمُخَالَفَاتِ مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَمَّا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ تَرْجَمَ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ قَوْلَ الزُّورِ وَلَا الْعَمَلَ بِهِ لِأَنَّهَا أَنْ يَذْكُرَ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَقَوْلُ الزُّورِ هُوَ الْكَذِبُ وَقَدْ وَافَقَ التِّرْمِذِيَّ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ فَتَرْجَمُوا بِالْغِيبَةِ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ الزُّورِ وَالْعَمَلِ بِهِ الْأَمْرَ بِحِفْظِ النُّطْقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعَمَلَ بِهِ فَيَعُودُ عَلَى الزُّورِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا عَلَى الْجَهْلِ أَيْ وَالْعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن بن أَبِي ذِئْبٍ فَلَيْسَ بِهِ بِمُوَحَّدَةٍ وَهَاءٍ ضَمِيرٍ فَإِن لم يكن تحريفا فَالضَّمِير للصَّائِم
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قَبْلَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ فِيهِ وَلَا يَصْخَبْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَلِبَعْضِهِمْ بِالسِّينِ بَدَلَ الصَّادِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَالصَّخَبُ الْخِصَامُ وَالصِّيَاحُ وَقَدْ تقدم أَن المُرَاد بالنهى عَنْ ذَلِكَ تَأْكِيدُهُ حَالَةَ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِمِ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ لَخُلُوفُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ لَخُلُفُ بِحَذْفِ الْوَاوِ كَأَنَّهَا صِيغَةُ جَمْعٍ وَيُرْوَى فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ لخفة عَلَى الْوَحْدَةِ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ قَوْلُهُ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ زَادَ مُسْلِمٌ بِفِطْرِهِ وَقَوْلُهُ يَفْرَحُهُمَا أَصْلُهُ يَفْرَحُ بِهِمَا فَحَذَفَ الْجَارَّ وَوَصَلَ الضَّمِيرَ كَقَوْلِهِ صَامَ رَمَضَانَ أَيْ فِيهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ فَرِحَ بِزَوَالِ جُوعِهِ وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَهَذَا الْفَرَحُ طَبِيعِيٌّ وَهُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ وَقِيلَ إِنَّ فَرَحَهُ بِفِطْرِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَمَامُ صَوْمِهِ وَخَاتِمَةُ عِبَادَتِهِ وَتَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّهِ وَمَعُونَةٌ عَلَى مُسْتَقْبَلِ صَوْمِهِ قُلْتُ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذُكِرَ فَفَرَحُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ لِاخْتِلَافِ مَقَامَاتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فَرَحُهُ مُبَاحًا وَهُوَ الطَّبِيعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ مَنْ يَكُونُ سَبَبَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ أَيْ بِجَزَائِهِ وَثَوَابِهِ وَقِيلَ الْفَرَحُ الَّذِي عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ إِمَّا لِسُرُورِهِ بِرَبِّهِ أَوْ بِثَوَابِ رَبِّهِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ قُلْتُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ إِذْ لَا يَنْحَصِرُ الْأَوَّلُ فِي الصَّوْمِ بَلْ يَفْرَحُ حِينَئِذٍ بِقَبُولِ صَوْمِهِ وترتب الْجَزَاء الوافر عَلَيْهِ