الْكَلَامِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّتِي بَيَّنْتُهَا قَبْلُ لَمَّا أَرَادَ بِالْعَمَلِ الْحَسَنَاتِ وَضَعَ الْحَسَنَةَ فِي الْخَبَرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَقَوْلُهُ إِلَّا الصِّيَامَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامٍ غَيْرِ مَحْكِيٍّ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَسَنَاتِ يُضَاعَفُ جَزَاؤُهَا مِنْ عَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ فَلَا يُضَاعَفُ إِلَى هَذَا الْقَدْرِ بَلْ ثَوَابُهُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ وَلَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ يَتَوَلَّى اللَّهُ جَزَاءَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَكِلُهُ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ الصَّوْمِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ مِمَّا يَطَّلِعُ الْعِبَادُ عَلَيْهِ وَالصَّوْمُ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُهُ خَالِصًا وَيُعَامِلُهُ بِهِ طَالِبًا لِرِضَاهُ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي وَالْآخَرُ أَنَّ سَائِرَ الْحَسَنَاتِ رَاجِعَةٌ إِلَى صَرْفِ الْمَالِ أَوِ اسْتِعْمَالٍ لِلْبَدَنِ وَالصَّوْمُ يَتَضَمَّنُ كَسْرَ النَّفْسِ وَتَعْرِيضَ الْبَدَنِ لِلنُّقْصَانِ وَفِيهِ الصَّبْرُ عَلَى مَضَضِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَتَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي قَالَ الطِّيبِيُّ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ يَدَعُ شَهْوَتَهُ إِلَخْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِمُوجِبِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ غَيْرِ مَحْكِيٍّ فَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كُلِّ عَمَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ أَوْرَدَهُ فِي أَثْنَائِهِ بَيَانًا وَفَائِدَتُهُ تَفْخِيمُ شَأْنِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى قَوْلُهُ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْبَيَانَ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ تَامًّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كل حَسَنَة يعملها بن آدَمَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ فَأَعَادَ قَوْلَهُ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ تَأْكِيدًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ أَن شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ)

كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ بَابٍ أَيِ الصَّوْمُ يَقَعُ كَفَّارَةً لِلذُّنُوبِ وَرَأَيْتُهُ هُنَا بِخَطِّ الْقُطْبِ فِي شَرْحِهِ بَابَ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ أَيْ بَابَ تَكْفِيرِ الصَّوْمِ لِلذُّنُوبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَابٌ الصَّلَاةُ كَفَّارَةٌ وَلِلْمُسْتَمْلِي بَابُ تَكْفِيرِ الصَّلَاةِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَابِ بِعَيْنِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ لَكِنْ أَطْلَقَ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْخَبَرُ مُقَيَّدٌ بِفِتْنَةِ الْمَالِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ فَقَدْ يُقَالُ لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي الْبَاب قبله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015