وَإِنَّهُم يستطيبون ريح الخلوف أَكثر مِمَّا تستطيبون رِيحَ الْمِسْكِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عِنْدَكُمْ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا يَأْتِي الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ تَفُوحُ مِسْكًا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْخُلُوفِ حَكَاهُمَا عِيَاضٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَجَمَاعَةٌ الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْمِسْكِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ فِي الْجَمْعِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْأَخِيرَ وَحَاصِلُهُ حَمْلُ مَعْنَى الطِّيبِ عَلَى الْقَبُولِ وَالرِّضَا فَحَصَلْنَا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ لِلطَّاعَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحًا تَفُوحُ قَالَ فَرَائِحَةُ الصِّيَامِ فِيهَا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ كَالْمِسْكِ وَيُؤَيِّدُ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ وَقَدْ ترْجم بن حِبَّانَ بِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَخْرَجَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا فَمُ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ مِنَ الطَّعَامِ وَهِيَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ حِينَ يَخْلُفُ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِوُجُودِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالطِّيبِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلطِّيبِ فِي الْحَالِ الثَّانِي فَيُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكِنْ يُؤَيِّدُ ظَاهِرَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا مَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَمَضَانَ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِسْنَادُهُ مُقَارِبٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي تنَازع فِيهَا بن عبد السَّلَام وبن الصّلاح فَذهب بن عَبْدِ السَّلَامِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ وَاسْتَدَلَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة وَذهب بن الصَّلَاحِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَاسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وثناؤه عَلَيْهِ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ والداودى وبن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ جَزَمُوا كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى الْمِسْكِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا فَقَيَّدَهُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي رِوَايَةٍ وَأَطْلَقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ أَصْلَ أَفْضَلِيَّتِهِ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إِنَّ رَبَّهُمْ بهم يَوْمئِذٍ لخبير وَهُوَ خَبِيرٌ بِهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ انْتَهَى وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي كَرَاهَةِ إِزَالَةِ هَذَا الْخُلُوفِ بِالسِّوَاكِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ بَابًا حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ أَنَّ الْخُلُوفَ أَعْظَمُ مِنْ دَمِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ شُبِّهَ رِيحُهُ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَالْخُلُوفُ وُصِفَ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ أَفْضَلَ مِنَ الشَّهَادَةِ لِمَا لَا يَخْفَى وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى أَصْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّ أَصْلَ الْخُلُوفِ طَاهِرٌ وَأَصْلُ الدَّمِ بِخِلَافِهِ فَكَانَ مَا أَصْلُهُ طَاهِرٌ أَطْيَبَ رِيحًا قَوْلُهُ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَإِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ إِلَخْ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الطَّبَّاعِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا يذر شَهْوَته الخ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَقَالَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015