والمستحبة والمباحة قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَوْلَى مَا شَغَلَ الْمَرْءُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الطَّوَافِ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ إِلَّا أَنَّ الذِّكْرَ أَسْلَمُ وَحكى بن التِّينِ خِلَافًا فِي كَرَاهَةِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ وَعَنْ مَالك تَقْيِيد الْكَرَاهَة بِالطّوافِ الْوَاجِب قَالَ بن الْمُنْذر وَاخْتلفُوا فِي الْقِرَاءَة فَكَانَ بن الْمُبَارَكِ يَقُولُ لَيْسَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفَعَلَهُ مُجَاهِدٌ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَيَّدَهُ الْكُوفِيُّونَ بِالسِّرِّ وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ وَالْحَسَنِ كَرَاهَتُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ وَمَالِكٍ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَعَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا أَخْفَاهُ وَلَمْ يكثر مِنْهُ قَالَ بن الْمُنْذِرِ مَنْ أَبَاحَ الْقِرَاءَةَ فِي الْبَوَادِي وَالطُّرُقِ وَمَنَعَهُ فِي الطَّوَافِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَنَقَلَ بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ نَذَرَ مَا لَا طَاعَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ قُدْهُ بِيَدِهِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ لَهُ بِأَنْ يَقُودَهُ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا أَنْكَرَهُ مِنَ النَّذْرِ فَمُتَعَقَّبٌ بِمَا فِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِث عَن بن جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ نَذْرٌ وَلِهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَبْوَابِ النَّذْرِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَشْرُوحًا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن عَبَّاس من وَجه آخر عَن بن جُرَيْجٍ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظُهُ رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي قبله قَالَ بن بَطَّالٍ وَإِنَّمَا قَطَعَهُ لِأَنَّ الْقَوَدَ بِالْأَزِمَّةِ إِنَّمَا يفعل بالبهائم وَهُوَ مثلَة قَوْلُهُ بَابُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِاشْتِرَاطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ لَيْسَ بِشَرْط فَمن طَاف عُريَانا أعَاد مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ خَرَجَ لَزِمَهُ دَمٌ وَذكر بن إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا ابْتَدَعَتْ قَبْلَ الْفِيلِ أَوْ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ إِلَّا فِي ثِيَابِ أَحَدِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَافَ عُرْيَانًا فَإِنْ خَالَفَ وَطَافَ بِثِيَابِهِ أَلْقَاهَا إِذَا فَرَغَ ثُمَّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فَجَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ
[1622] قَوْلُهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْمُؤَلَّفِ فِي التَّفْسِيرِ أَنْ لَا يَحُجَّنَّ وَهُوَ يُعَيِّنُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَطُوفُ يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ وَالتَّقْدِيرُ وَأَنْ لَا يَطُوفَ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ عَطْفًا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى