بَعْدَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَمَا جَاءَ الْخَبَرُ بِوَفَاةِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ يَضْبِطُ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَحْزَنَ الْمَرْءُ عَلَى قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَذَكَّرَ سُوءَ مَصِيرِهِ وَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ كَانَتْ عُبَيْدَ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ فَلَمْ يَضْبِطْهَا الْكَاتِبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنْ عُبَيْدَ اللَّهِ مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةَ فَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ تَزَوُّجَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَتَزْوِيجَهَا وَقَعَ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَسْمَعَ النَّهْيَ وَأَيْضًا فَفِي السِّيَاقِ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بَعْدَ قَوْلِهَا دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ قَرِيبِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بَعْدَ مَجِيءِ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنَ الْحَبَشَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّنُّ هُوَ الْوَاقِعُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَخًا لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنْ أُمِّهَا أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ يُرَجَّحُ مَا حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبَى سَلَمَةَ وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَرْبَعُ سِنِينَ وَمَا مِثْلُهَا يُضْبَطُ فِي مِثْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَمَسَّتْ بِهِ أَيْ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا وَسَيَأْتِي فِي الطَّرِيقِ الَّتِي فِي الْعَدَدِ بِلَفْظِ فَمَسَّتْ مِنْهُ وَسَيَأْتِي فِيهِ لِزَيْنَبَ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْإِحْدَادِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَيْ مَشْرُوعِيَّتُهَا)

وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى شَرْطِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُصَرِّحَةَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِيهِ نَسْخُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِهِ فِيهِ وَتُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ فَلَا تَقُولُوا هُجْرًا أَيْ كَلَامًا فَاحِشًا وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُون الْجِيم وَله من حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت قَالَ النَّوَوِيّ تبعا للعبدري وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ كَذَا أَطْلَقُوا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بن أبي شيبَة وَغَيره روى عَن بن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ لَوْلَا نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزُرْتُ قَبْرَ ابْنَتِي فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَالله أعلم وَمُقَابل هَذَا قَول بن حَزْمٍ إِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمُرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ فَقِيلَ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حجَّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015