الْجُمْهُور على وُجُوبه وَقد رد بن الْعَرَبِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ وَقَدْ تَوَارَدَ بِهِ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ وَغُسِّلَ الطَّاهِرُ الْمُطَهَّرُ فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوُضُوئِهِ فَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ تَرْجَمَ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يَأْتِ لَهُ بِحَدِيثٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ انْتِزَاعَ الْوُضُوءِ مِنَ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنَ الِاغْتِسَال كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ أَرَادَ وُضُوءَ الْغَاسِلِ أَيْ لَا يلْزمه وضوء وَلِهَذَا سَاق أثر بن عُمَرَ انْتَهَى وَفِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْغَاسِلِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ بَعْدُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ تَقْدِيرُ التَّرْجَمَةِ بَابُ غُسْلِ الْحَيِّ الْمَيِّتَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَحْذُوفِ فَيَتَّجِهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَشَارَ كَعَادَتِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَيْضًا ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَرِدِ الْأَمْرَ بِهِ مُجَرَّدًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الْبُدَاءَةُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا يُشْرَعُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ أَرَادَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُ لَوُروَدِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ قَوْلُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَعَلَهُمَا مَعًا آلَةً لِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ انْتَهَى وَقَدْ يَمْنَعُ لُزُومُ كَوْنِ الْمَاءِ يَصِيرُ مُضَافا بذلك لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ السِّدْرُ وَصْفَ الْمَاءِ بِأَنْ يُمَعَّكَ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُغْسَلَ بِالْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ لَا يَأْبَى ذَلِك وَقَالَ القرطي يُجْعَلُ السِّدْرُ فِي مَاءٍ وَيُخَضْخَضُ إِلَى أَنْ تَخْرُجَ رَغْوَتُهُ وَيُدْلَكُ بِهِ جَسَدُهُ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ المَاء القراح فَهَذِهِ غسلة وَحكى بن الْمُنْذِرِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا تُطْرَحُ وَرَقَاتُ السِّدْرِ فِي الْمَاءِ أَيْ لِئَلَّا يُمَازِجَ الْمَاءَ فَيَتَغَيَّرَ وَصْفُهُ الْمُطْلَقُ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ يُغْسَلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَأَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ فَيَغْسِلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ والكافور قَالَ بن عبد الْبر كَانَ يُقَال كَانَ بن سِيرِين من أعلم التَّابِعين بذلك وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ مَنْ قَالَ الْأُولَى بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ أَوِ الْعَكْسُ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ فَلَيْسَ هُوَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ اه وَكَأَنَّ قَائِلَهُ أَرَادَ أَنْ تَقَعَ إِحْدَى الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ الصِّرْفِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الْمُطَهِّرُ فِي الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا الْمُضَاف فَلَا وَتمسك بِظَاهِر الحَدِيث بن شعْبَان وبن الْفَرْضِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا غُسْلُ الْمَيِّتِ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّنْظِيفِ فَيُجْزِئُ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ غُسْلٌ تَعَبُّدِيٌّ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي بَقِيَّةِ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَقِيلَ شُرِعَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لَازِمَهُ أَنْ لَا يُشْرَعَ غُسْلُ مَنْ هُوَ دُونَ الْبلُوغ وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع قَوْله وحنط بن عُمَرَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ حَنَّطَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ أَيْ طَيَّبَهُ بِالْحَنُوطِ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُخْلَطُ مِنَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً وَقَدْ وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْتَهَى وَالِابْنُ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْجَهْمِ الْعَلَاءِ بْنِ مُوسَى عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَهُ قِيلَ تَعَلَّقَ هَذَا الْأَثَرُ وَمَا بَعْدَهُ بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَرَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ غُسْلَهُ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ وَلَا الْمَاءُ وَحْدَهُ