وَقَدْ طُفْتُ لِلْمَالِ آفَاقَهُ دِمَشْقَ فَحِمْصَ فَأُورِي سَلِمَ وَمِنْ أَسْمَائِهِ كُورَةُ وَبَيْتُ أَيْلٍ وَصِهْيُونُ وَمِصْرُوثُ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَكُورْشِيلَا وَبَابُوسُ بِمُوَحَّدَتَيْنِ وَمُعْجَمَةُ وَقَدْ تَتَبَّعَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْحُسَيْنُ بْنُ خَالَوَيْهِ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِ لَيْسَ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَالثَّانِي كَانَ قِبْلَةَ الْأُمَمِ السالفه وَالثَّالِث أسس علىالتقوى وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ وَقَالَ لَهُ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتُ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تَعْمَلَ وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَه بن بَطَّالٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اللَّفْظُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الْإِيجَابُ فِيمَا يَنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْبِقَاعِ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا أَيْ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ صَاحِبٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الصَّلَاةُ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي وَشَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْتَكَفُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَجِبُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُور لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ يَجِبُ إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأَمَّا الْأَقْصَى فَلَا وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَا هُنَا وَقَالَ بن التِّينِ الْحُجَّةُ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْمَطِيِّ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا قُرْبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِالنَّذْرِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى وَفِيمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ