مَجْمُوعَ صِلَاتِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهَا إِشْعَارًا بِالتَّخْصِيصِ وَإِفَادَةً لِلْحَصْرِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَوْلُهُ فَاغْفِرْ لِي قَالَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مَغْفُورًا لَهُ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْهَضْمِ لِنَفْسِهِ وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا لِرَبِّهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِأُمَّتِهِ لِتَقْتَدِيَ بِهِ كَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لِمَجْمُوعِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَوْ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ فَقَطْ لَكَفَى فِيهِ أَمْرُهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا قَوْلُهُ وَمَا قَدَّمْتُ أَيْ قَبَلَ هَذَا الْوَقْتِ وَمَا أَخَّرْتُ عَنْهُ قَوْلُهُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَأَظْهَرْتُ أَوْ مَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي وَمَا تَحَرَّكَ بِهِ لِسَانِي زَادَ فِي التَّوْحِيدِ من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ أَيْضًا قَوْلُهُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ قَالَ الْمُهَلَّبُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ الْمُقَدِّمُ فِي الْبَعْثِ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُؤَخِّرُ فِي الْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا زَاد فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَيْضًا فِي الدَّعَوَاتِ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ لَفْظَ الْقَيِّمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الْجَوَاهِرِ وَقِوَامَهَا مِنْهُ وَالنُّورَ إِلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ أَيْضًا مِنْهُ وَالْمُلْكَ إِلَى أَنَّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهَا إِيجَادًا وَإِعْدَامًا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فَلِهَذَا قَرَنَ كُلًّا مِنْهَا بِالْحَمْدِ وَخَصَّصَ الْحَمْدَ بِهِ ثُمَّ قَوْلُهُ أَنْتَ الْحَقُّ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْقَوْلُ وَنَحْوُهُ إِلَى الْمَعَاشِ وَالسَّاعَةُ وَنَحْوُهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعَادِ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى النُّبُوَّةِ وَإِلَى الْجَزَاءِ ثَوَابًا وَعِقَابًا وَوُجُوبُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ انْتَهَى وَفِيهِ زِيَادَةُ مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظَمَةِ رَبِّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَمُوَاظَبَتِهُ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ وَالِاعْتِرَافِ لَهُ بِحُقُوقِهِ وَالْإِقْرَارِ بِصِدْقِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ كُلِّ مَطْلُوبٍ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ هَذَا مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَان الْأَحول خَال بن أَبِي نَجِيحٍ سَمِعْتُ طَاوُسًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَ فِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ وَلَمْ يَقُلْهَا سُلَيْمَانُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَكُنْتُ إِذَا قُلْتُ لِعَبْدِ الْكَرِيمِ آخِرَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ قَالَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ وَلَيْسَ هُوَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ انْتَهَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ لَمْ يَذْكُرْ إِسْنَادَهُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَكِنَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ سُفْيَانَ لَهَا مِنْ سُلَيْمَانَ أَنْ لَا يَكُونَ سُلَيْمَانُ حَدَّثَ بِهَا وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ فَأَدْرَجَهَا فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ سُفْيَانَ فَذَكَرَهَا فِي آخِرِ الْخَبَرِ بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ وَلَيْسَ لعبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَهُوَ بن أَبِي الْمُخَارِقِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ وَلَمْ يَقْصِدِ الْبُخَارِيُّ التَّخْرِيجَ لَهُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يَعُدُّونَهُ فِي رِجَالِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ لِلْمَسْعُودِيِّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَسَيَأْتِي نَحْوُهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فِي الْبُيُوعِ وَعَلَّمَ الْمِزِّيُّ عَلَى هَؤُلَاءِ عَلَامَةَ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ مَوْصُولَةٌ إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَقْصِدِ التَّخْرِيجَ عَنْهُمْ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُنْذِرِيِّ قَدِ اسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ بِعَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ فِي كِتَابِ التَّهَجُّدِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَشْهِدْ بِهِ إِلَّا إِنْ أَرَادَ بِالِاسْتِشْهَادِ مُقَابِلَ الِاحْتِجَاجِ فَلَهُ وَجْهٌ وَأَمَّا قَول بن طَاهِرٍ إنَّ الْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا أَخْرَجَا لِعَبْدِ الْكَرِيمِ هَذَا فِي الْحَجِّ حَدِيثًا وَاحِدًا عَنْ مُجَاهِدٍ عَن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ عَلِيٍّ فِي الْقِيَامِ عَلَى الْبدن من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ فَهُوَ غَلَطٌ مَنّهُ فَإِنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ الْمَذْكُورَ هُوَ الْجَزَرِيُّ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَوْلُهُ قَالَ سُفْيَانُ هُوَ مَوْصُولٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَرَادَ سُفْيَانُ بِذَلِكَ بَيَانَ سَمَاعِ سُلَيْمَانَ لَهُ مِنْ طَاوُسٍ لِإِيرَادِهِ