عُرْوَةَ بِقَوْلِهِ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ التَّشْبِيهُ بِعُثْمَانَ فِي الْإِتْمَامِ بِتَأْوِيلٍ لَا اتِّحَادِ تَأْوِيلِهِمَا وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْأَسْبَابَ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ عُثْمَانَ فَتَكَاثَرَتْ بِخِلَاف تَأْوِيل عَائِشَة وَقد أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَإِذَا احْتَجُّوا عَلَيْهَا تَقُولُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حَرْبٍ وَكَانَ يَخَافُ فَهَلْ تَخَافُونَ أَنْتُمْ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَالْقَصْرُ عِنْدَهَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ بَاطِلَانِ لَا سِيَّمَا الثَّانِي وَلَعَلَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي حَدِيثِ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْمَاضِي قَبْلُ بِبَابَيْنِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ فَقَالَا لقد عبت أَمر بن عَمِّكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصَّلَاة وَقَالَ بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ اه وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهِمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنِ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الْمَغَازِي وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَدِّعُ النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ وَيُسْرِعُ الْخُرُوجَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِجْرَتِهِ وَثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا حَاصَرُوهُ وَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ ارْكَبْ رَوَاحِلَكُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي وَمَعَ هَذَا النَّظَرِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ فَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا كَثُرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثٌ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخفت أَن يستنوا وَعَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمَنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صَلَّيْتِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلٌ وَيَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكُلُّهُمْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي السَّيْرِ وَفِي الْمُقَامِ بِمَكَّةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي السَّفَرِ أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ وَعِنْدَهُمُ الْعِبْرَةُ بِمَا رَأَى الرَّاوِي إِذَا عَارَضَ مَا روى ثمَّ