وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِانْجِلَاءَ لَا يُسْقِطُ الْخُطْبَةَ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ لِمَوْتِ أَحَدٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ الْآتِيَةِ بَيَانُ سَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ وَلَفْظُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ مَاتَ فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بن فضَالة عِنْد بن حِبَّانَ فَقَالَ النَّاسُ إِنَّمَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم وَلأَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى انْجَلَتْ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبْطَالُ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْكَوَاكِبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكُسُوفَ يُوجِبُ حُدُوثَ تَغَيُّرٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ ضَرَرٍ فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ وَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ خَلْقَانِ مُسَخَّرَانِ لِلَّهِ لَيْسَ لَهُمَا سُلْطَانٌ فِي غَيْرِهِمَا وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ رَبِّهِ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ قَوْلُهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ رَأَيْتُمُوهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[1041] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ هُوَ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَهُمْ شَيْخٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ لَكِنَّهُ بَصْرِيٌّ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنَ الْكُوفِيِّ يَكُونُ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِ شُيُوخِهِ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَإِبْرَاهِيمُ بن حميد شَيْخه هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ خَفِيفَةٌ وَفِي طَبَقَتِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجُوا لَهُ وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ آيَتَانِ أَيْ عَلَامَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ أَيِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ الْعِبَادِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَسَطَوْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ قَوْلُهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا أَيِ الْآيَةَ ولِلكُشْمِيهَنِيِّ رَأَيْتُمُوهُمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْمَعْنَى إِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن الْمُنْذِرِ حَتَّى يَنْجَلِيَ كُسُوفُ أَيُّهُمَا انْكَسَفَ وَهُوَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ وَأَفَادَ أَبُو عَوَانَةَ أَنَّ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ فَقُومُوا فَصَلُّوا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقْتَ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ مُعَيَّنٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عُلِّقَتْ بِرُؤْيَتِهِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنَ النَّهَارِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَقْتُهَا مِنْ وَقْتِ حِلِّ النَّافِلَةِ إِلَى الزَّوَالِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِيقَاعُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَ الِانْجِلَاءِ فَلَوِ انْحَصَرَتْ فِي وَقْتٍ لَأَمْكَنَ الِانْجِلَاءُ قَبْلَهُ فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَعَ كَثْرَتِهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا الْأَضْحَى لَكِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ مَا عَدَاهُ وَاتَّفَقَتِ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّهُ بَادَرَ إِلَيْهَا

[1042] قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ بن الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ هُوَ بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَنِصْفُ رِجَالِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْأَعْلَى مَدَنِيُّونَ وَنِصْفُهُ الْأَدْنَى مِصْرِيُّونَ قَوْلُهُ لَا يخسفان بِفَتْح أَوله وَيجوز الضَّم وَحكى بن الصّلاح مَنعه وروى بن خُزَيْمَة وَالْبَزَّار من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَإِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَادْعُوا وَتَصَدَّقُوا قَوْلُهُ وَلَا لِحَيَاتِهِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ وَالْجَوَابُ أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ الشَّارِعُ النَّفْيَ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015