بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ تَعَرَّضَ لِوُقُوعِ الْمَطَرِ وَتَفَعَّلَ يَأْتِي لِمَعَانٍ أَلْيَقُهَا هُنَا أَنَّهُ بِمَعْنَى مُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ فِي مُهْلَةٍ نَحْوِ تَفَكَّرَ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَسِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَقَالَ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ تَحَادُرَ الْمَطَرِ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدًا فَلِذَلِكَ تَرْجَمَ بِقَوْلِهِ مَنْ تَمَطَّرَ أَيْ قَصَدَ نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ لَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ أَوَّلَ مَا وُكِفَ السَّقْفُ لَكِنَّهُ تَمَادَى فِي خُطْبَتِهِ حَتَّى كَثُرَ نُزُولُهُ بِحَيْثُ تَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد مَضَى الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ مُسْتَوْفًى فِي بَاب تَحْويل الرِّدَاء قَوْلُهُ بَابُ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ أَيْ مَا يُصْنَعُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ قِيلَ وَجْهُ دُخُولِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي أَبْوَابِ الِاسْتِسْقَاءِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالِاسْتِسْقَاءِ نُزُولُ الْمَطَرِ وَالرِّيحُ فِي الْغَالِبِ تَعْقُبُهُ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا التَّنْبِيهُ عَلَى إِيضَاحِ مَا يُصْنَعُ عِنْدَ هُبُوبِهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا هَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ حُمَيْدٍ يَجِبُ قَبُولُهَا لِثِقَةِ رُوَاتِهَا وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ وَعَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي وَصْفِ الرِّيحِ بِالشَّدِيدَةِ يُخْرِجُ الرِّيحَ الْخَفِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الِاسْتِعْدَادُ بِالْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَالِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَحُدُوثِ مَا يخَاف بِسَبَبِهِ
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي قَبْلَهُ بِمَا سِوَى الصَّبَا مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرِّيحِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ نَصْرِهَا لَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسَرُّ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى عُمُومِهِ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ نَصْرُهَا لَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقولِهِ تَعَالَى فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ نَصْرُهَا لَهُ بِسَبَبِ إِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ