لِأَنَّهُ من استنباط بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ السَّبَبِ زَوَالُ الْمُسَبَّبِ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالْجِمَارِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلِمَنْ قَصَرَ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ طَاوُسٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمُ الا أَن تَكُونُوا جنبا الحَدِيث قَالَ بن حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ فِيهِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُجْزِئُ عَنْهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ إِذْ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْزِ عَنْهُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الا أَن تَكُونُوا جنبا تفرد بهَا بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ وَأَنْ تَكُونُوا جُنُبًا وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ بِلَفْظِ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ فَفِيهِ عَرْضٌ وَتَنْبِيهٌ لَا حَتْمَ وَوُجُوبٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالْإِعْلَامِ بِوُجُوبِهِ وَنَقَلَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بَعْدَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فَذَهَبَ الْغُسْلُ وَهَذَا مِنَ الطَّحَاوِيِّ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْغُسْلِ أَصْلًا فَلَا يُعَدُّ فَرْضًا وَلَا مَنْدُوبًا لِقَوْلِهِ زَالَتِ الْعِلَّةُ إِلَخْ فَيَكُونُ مَذْهَبًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ الْعِلَّةِ سُقُوطُ النَّدْبِ تَعَبُّدًا وَلَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا لَوْ سَلِمَتْ لَمَا دَلَّتْ إِلَّا عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِ الْغُسْلِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ الْمُجَرَّدِ كَمَا تقدم وَأما مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَهُ بِتَأْوِيلٍ مستكره فقد نَقله بن دِحْيَةَ عَنِ الْقَدُورِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ وَاجِبٌ أَيْ سَاقِطٌ وَقَوْلُهُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَصْلُ الْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ السُّقُوطُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْخِطَابِ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ كَانَ كُلُّ مَا أُكِّدَ طَلَبُهُ مِنْهُ يُسَمَّى وَاجِبًا كَأَنَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فَرْضًا أَوْ نَدْبًا وَهَذَا سَبَقَهُ بن بَزِيزَةَ إِلَيْهِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ اللَّفْظَ الشَّرْعِيَّ خَاصٌّ بِمُقْتَضَاهُ شَرْعًا لَا وَضْعًا وَكَأَنَّ الزَّيْنَ اسْتَشْعَرَ هَذَا الْجَوَابَ فَزَادَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْوَاجِبِ بِالْفَرْضِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجَبَ فِي اللُّغَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي السُّقُوطِ بَلْ وَرَدَ بِمَعْنَى مَاتَ وَبِمَعْنَى اضْطَرَبَ وَبِمَعْنَى لَزِمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْهَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا بِمَعْنَى لَزِمَ لَا سِيَّمَا إِذَا سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طرق حَدِيث بن عُمَرَ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَهُوَ بِمَعْنَى اللُّزُومِ قَطْعًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَظَاهِرُهُ اللُّزُومُ وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِيَّةِ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا فِي الحكم وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةُ الْوُجُوبِ مُغَيَّرَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ ثَابِتَةً وَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَرُدَّ بِأَنَّ الطَّعْنَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا مُسْتَنَدَ لَهُ لَا يُقْبَلُ وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَمَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ حَيْثُ كَانُوا مجهودين وَأَبُو هُرَيْرَة وبن عَبَّاسٍ إِنَّمَا صَحِبَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ التَّوَسُّعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ أَوَّلًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهِ فَكَيْفَ يُدَّعَى النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَائِدَةٌ حَكَى بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِمْ قَالُوا يُجْزِئُ عَنْ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ التَّطَيُّبُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ بَلْ يُجْزِئُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ عَابَ بن الْعَرَبِيِّ ذَلِكَ وَقَالَ هَؤُلَاءِ وَقَفُوا مَعَ الْمَعْنَى وَأَغْفَلُوا الْمُحَافَظَةَ عَلَى التَّعَبُّدِ بِالْمُعَيَّنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ التَّعَبُّدِ وَالْمَعْنَى أَوْلَى انْتَهَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015