رميته إياهم به تكون هي القاضية، وبعد أن وسمهم بالجمود والتعصب على مذهب الآباء والجدود، وذلك السهم هو قوله تعالى: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} ولعمري لئن كانوا هكذا، وإمامهم في مسلكهم ذلك خير الورى، فعلى الدنيا العفى، لانتشار الجهل والجفى واقفار أرضها من القول بالحق والوفى.
وقد أحس هذا الرجل ها هنا بأنه وقع في أسوأ ورطة فقال: وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلاً منا ليس بأول مطر صاب أرض الفلاة، ولا هو بأول أذان أُقيمت له الصلاة.
فوجد وحشة الوحدة، وظلمة فقد الحجة، فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفي الوحدة. ولعمري ما له في هذا الطريق من رفيق. وهؤلاء الدين اعتمدهم في مسلكه، لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه، فهم إن صح النقل عنهم إنما هو القول بالجواز، لا الرد على العلماء، ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة، والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى، ولم يرموا واحداً من الأمة بالجمود، والتقيد بدين الأباء والجدود، فضلاً أن يرموا بذلك كافة العلماء. وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة، وأول بوق آذنٍ برفض السنة أصغى إليه الجفاة. فو الله ما دعا قبله إلى هذه المقالة من إنسان، ولا جلب بخيله ورجله في زلزلة مناسك الحج ذو إيمان.
قوله: وقد سبق تسمية من قال بجوازه مطلقاً، وأنه مذهب الطاووس وعطاء، وجزم به الرافعي، وحققه الأسنوي، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد في المتعجل.