البراءة. فتقديم العبادة علىوقتها مبطل لها، وتأخيرها عن أوقاتها لا يكون كذلك في الجملة، وإنما يكون فاعل ذلك عاصياً.
وابن القيم رحمه الله لم يطلق، بل قيد اختلاف الفتوى بالنسبة إلى اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد. ولم يجمل، بل فصل في ذلك بما يزيل اللبس والاشتباه، فترك إقامة الحد في الغزو، وترك قطع يد السارق في المجاعة، وترك إنكار المنكر إذا أفضى إلى ما هو أنكر منه مقيد بهذه الأحوال مخصوص بها وبما يشبهها لا يسري إلى ما عداها بحال.
فمسألتنا وهي " مسألة تقديم الهدي، وأمثالها " ليست من العقوبات ونحوها في شيء، بل هي من العبادات المحضة، والعبادات توقيفية من حيث ذاتها، ومن حيث مواضعها وأوقاتها، ولو قيد من كتب في ذلك فتواه بحالة الذبح في هذه السنوات التي لا يوصل فيها إلى كمال عين الغرض المقصود لكان ذلك من باب حلول المشاكل التي منها ما يقبل ومنها مايرد، وحلول المشاكل شيء، وإطلاق الجواز من غير قيد شيء آخر، فإن هذه عبادة مؤقتة بتوقيتها الشرعي زماناً ومكاناً، كما جاء في الأحاديث التي أسلفنا.
تتمة
لقد انطلقت ألسنة كثير من المتعلمين، وجرت أقلام الأغبياء والعابثين، وطارت كل ماطار في الآفاق كلمات المتسرعين، واتخذت الكتابة في أحكام المناسك وغيرها تجربة لأقلام بعض، وجنوح الآخرين إلى ابراز مقتضى ما في ضمائرهم وأفهامهم، ومحبة آخرين لبيان الحق وهداية الخلق، لكنهم مع الأسف ليسوا من أهل هذا