وتقديم صيام ثلاثة الأيام على يوم النحر الذي هو وقت الذبح وجهه ـ والله أعلم ـ حاجة الصيام إلى طول الوقت بخلاف الذبح فإن زمنه بضع دقائق، فحكمة الشرع اقتضت تقديم الصيام دون الذبح، وقد أعطي زمن الذبح من التطويل زمناً كافياً وهو بقية يوم النحر مضموماً إليه أيام التشريق الثلاثة، ولا يقال: ألا يكتفى في سعة الوقت للصيام أن يصمن في أيام التشريق. قيل: لا، لأنهن أعياد وأيام أكل وشرب، كما ثبتت بذلك السنة، نعم يصمن للضرورة إذا لم يبق للصوم زمن إلا ذلك، كما في الحديث: " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".

وأما ما نقله عن ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه " إعلام الموقعين عن رب العالمين": من أن الفتوى تختلف باختلاف الأزمة والأمكنة والأحوال والعوائد، فإنه حق، لكنه يحتاج في تطبيقه إلى رجال لهم ملكة وقدم راسخ في العلم بمدارك الأحكام، وناقل كلامه نقل عدة أمثلة لهذا الأصل: منها قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو، ومنها أن عمر بن الخطاب أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة، ومنها أن طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015