ويجب أن يعلموا أن رحمة الله وعفوه لا تشمل أي أحد؛ قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ" [الأعراف: من الآية156] ، فرحمة الله وعفوه لا ينالها إلا من خافه واتقاه، والتقوى أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية؛ وذلك بفعل ما أمر، والانتهاء عما نها عنه وزجر، أما من يفعل المعاصي والذنوب من الكبائر والصغائر، وبعد ذلك يتعلَّل بعفو الله، فإنه يتمنى على الله الأماني، قال الحسن البصري: إن هناك أناساً تمنوا على الله الأماني، وقالوا: إنا نحسن الظن بالله - مع فعلهم القبيح وتركهم الجميل -. فقال - رحمه الله - لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، فينبغي على هؤلاء -بل يجب- أن يعظموا الله في صدورهم، وأن يخافوا بطش الله وعقابه، وألا يأمنوا مكر الله، وأن يعظموا حرمات الله، وألا يكونوا مثل ما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - إن الفاجر ليرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به، هكذا ولكن ينبغي أن يكون كما قال: ولكن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يريد أن يسقط عليه، فهو خائف يترقب - أو كما قال - رضي الله عنه - فعليهم أن يكونوا في منزلة بين المنزلتين بين الخوف والرجاء، فلا خوف يقنط من رحمة الله، ولا رجاء يؤمن من مكر الله، ولكن رجاء يوصل إلى حسن الظن بالله، ويرجي ما عنده من الخير والثواب، مع حسن العمل، وخوف يوصل إلى خشية الله والحذر من عقابه، مع الابتعاد عن كل ما يغضب الله ويسخطه.
فمثل هؤلاء يخشى عليهم أن يكونوا ممن يعنيهم قوله تعالى: "أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ" [النحل:45-46] .
ولقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الكرام من فعل صغائر الذنوب، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم - أي أراد القوم صنع طعام لهم - فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها) أخرجه أحمد في المسند (2808) .
وفي رواية سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في نهاية الحديث (.... وإن محقرات الذنوب، متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه " أخرجه أحمد (22302) .
وفي رواية عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله - عز وجل - طالباً) أخرجه أحمد (23894) ، وابن ماجة (4243) والدارمي (2726) .
فإذا كانت محقرات الذنوب وهي التي يستحقرها الناس ولا يعدونها شيئاً ولا يتورعون من فعلها إذا كثرت وأكثر من فعلها هلكت صاحبها، فما بالك بكبائر الذنوب؟ نسأل الله العفو والعافية.