رابعا: مفاهيم تربوية خاطئة

الحجب والمنع في تربية الأبناء

المجيب د. علي با دحدح

عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/مفاهيم تربوية خاطئة

التاريخ 7-1-1424

السؤال

هل الحجب والمنع من أسس التربية الإسلامية؟ أم يربى الأبناء على التفريق بين الخير والشر ويحضر لهم الدش والإنترنت؟

وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

يقول الله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ، فهو سبحانه خالق الإنسان والعالم بفطرته وطبيعته وما يصلحه وما يفسده، وقد فطر الله تعالى الخلق منذ خلق آدم -عليه السلام- على وجود الممنوع الذي يحذر منه وتكون عاقبته وخيمة، والمطلوب الذي يرغب فيه وتكون ثمرته مفيدة، فالنفوس مفطورة على التأثر بالترغيب والترهيب الذي هو من أكثر أساسيات التربية أهمية، فعندما خلق الله آدم قال له ولزوجه: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ، والمنع أساس في التكليف والاختبار، والآية واضحة في المنع بقوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) .

ويمكن أن نرسم ملامح منهج المنع من خلال هذه الآية في النقاط التالية:

(1) وجود ما يسد الحاجة ويحقق رغبة النفس (اسكن أنت وزوجك الجنة) .

(2) اتساع دائرة المسموح وتنوعها (وكلا منها رغداً حيث شئتما) .

(3) محدودية دائرة الممنوع وضيقها (ولا تقربا هذه الشجرة) .

(4) بيان سوء عاقبة الوقوع في الممنوع (فتكونا من الظالمين) ، وفي آية أخرى بيان أوسع في قوله تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) .

ومن هنا يمكننا القول بأن المنع أساس تربوي صحيح، بل هو على الحقيقة مما لا بد منه، ويدل على ذلك الآيات الكثيرة الواردة في النهي عن كثير من المحرمات في العقائد والعبادات والمعاملات وأنواع المطاعم والمشروبات، ويمكننا أن نلاحظ منهج المنع السالف ذكره في جملة هذه الآيات.

ومن خلال التربية النبوية نلمح ذلك بصورة واضحة، فقد ورد في الصحيح أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وهو طفل صغير مد يده ليأخذ تمراً من تمر الصدقة كان عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمنعه وأخذ على يده وقال:"كخ كخ أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة".

قال ابن حجر في الفتح:"وفي الحديث جواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات، وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك، ومن المعلوم أن العقول لا تستقل بالتفريق بين الخير والشر، ولا يمكن لها ذلك إلا بالاعتماد على الشرع من الخالق العالم بالإنسان وأحواله، ولئن كانت عقول الكبار تفرق بين ما يضر وما ينفع بحكم التجربة والخبرة ومعرفة المآلات والعواقب وما لديها من المعارف والعلوم فإن الصغار من الأبناء يعجزون عن ذلك لعدم اكتمال قدراتهم العقلية، ومن ثم فإن منعهم من الشر وتحذيرهم منه وبيان مساوئه أمر لا بد منه، لكنه لا يكون استقلالاً بدون تعريفهم بالخير وترغيبهم فيه وتقريبهم له وتدريبهم عليه حتى تشبع رغباتهم ويحصل لهم الاستقرار النفسي.

ومن المهم أن ننبه على هذه الأمور التي يجب مراعاتها في هذا الباب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015