ثم إنك إذا تأملت منطوق التكاليف الشرعية تجدها بنيت على الاستطاعة والمقدرة، فالله -سبحانه وتعالى- لا يطلب منك إلا ما تستطيع تأديته، على حسب الحالة التي أنت فيها (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] ، (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن: 16] تعطيك هذه النصوص مساحة من الطمأنينة تجعلك تمشي الهوينا، ولا تضطرب وتتأثر في ممارسة الشعائر التعبدية بسبب موقف ألم بك؛ لأن حياتك كلها أصلاً عبادة، والغاية من إيجادنا في هذه الحياة أصلاً هو العبادة، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56] إذاً ما تحصل عليه من إمكانات وغيرها إنما هي عوامل مساعدة لك لتأدية هذه العبادة بيسر وسهولة، فإذا أقبلت عليك النعم تسلك طريق الشكر والثناء والحمد، وإذا أحاطت بك النقم وأسرتك الهموم والأوجاع سلكت طريق الصبر، والشكر والصبر هما من أروع العبادات.
فإذا أصابتك الهموم وجعلتك قلقاً حائراً، ولا تدري ماذا تفعل، فعليك بالفرائض تمسك بها بأنيابك وأسنانك، لأنها هي الأصل، والمحاسبة معولة على إتمام الفرائض، نقصاً أو إتماماً، أما النوافل فإنك تثاب على فعلها الأجر العظيم، ولا تحاسب على تركها، فإذا هبت عليك نسائم الربيع فعليك بها، أي النوافل أدها وأكثر منها، حسب ما تطيق منها، أو تجد نفسك فيه ولو كان قليلاً، لكن تفطن للمداومة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". أخرجه البخاري (5983) ، ومسلم (1302) ، هذه وصيتي لك على حالتك التي أنت فيها، تشبث وتمسك بفرائض الله، وعض عليها بأسنانك، وانشب أظفارك فيها، فهي المخرج والنجاة، وعليها مدار الفلاح. أعانك الله، وفرج الله همك.