أولهما: أن الله ذكر الضرب بعد أدبين قبله، فهو غير مشروع إلا إذا لم يفد ما قبله، وهو قوله تعالى:"فعظوهن واهجروهن في المضاجع" [النساء: 34] ، فالرجل يقدم الموعظة، فإذا لم تجدِ هجر هجراً جميلاً، فإذا لم يجدِ انتقل إلى الضرب، فالضرب هو الوصفة الأخيرة والنادرة، ولكن صاحبك -هداه الله- جعلها الوصفة الأولى والدائمة.
ثانيهما: أن الضرب المأذون به هو ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ضرباً غير مبرح" صحيح مسلم (1218) . إنه ضرب توجيه وتأديب، لا ضرب قسوة، وتشفٍّ وانتقام، ضرب يشعر بالعتب ولا يتلذّذ بالألم، يستعمل فيه الرجل قوة شخصيته، وليس قوة جسمه.
فأين هذا وما تصفينه من ضرب هذا الزوج -هداه الله-.
ذكريه -بنيتي- وسائليه هل يرضى بمثل هذه المعاملة لأخته أو ابنته؟ وهل ستغمض له عين لو علم أنها تلاقي مثل ما تلاقينه؟
ذكِّريه أن قوته عليك فوقها قوة الله الذي وهبه قوته، وقد يسلبها منه في أي لحظة، أو يسلِّط عليه من هو أقوى منه، وأن الله -عز وجل- يملي للظالم ثم يأخذه بعزته وقهره "ولا تحسبن الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون" [إبراهيم: 42] ، "دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" أخرجه أحمد (9743) .
حدثيه بهذا ومثله، فإن كان ممن يخشى الله، فقد قال الله: "سيذكر من يخشى" [الأعلى: 10] . وتكونين قد أديت واجبك نصحاً وتفاهماًَ.
ثالثهما: أحذرك من الخضوع والخنوع لهذا الوضع المهين، وعليك بالمحافظة على حقوقك، وليس السكوت والاحتمال هو الحل دائماً.
ولذا فإذا حصل أن كرر مثل هذا التصرف فإن عليك الاستعانة بأهلك، ووضعهم في الصورة، واستخراج تقرير عاجل عن الحالة من المستشفى، ثم التقدم بشكاية فورية للمحكمة.
واعلمي -يا ابنتي- أن المحاكم لم توضع إلا لحماية الحقوق، وردع من لا يرتدع إلا بقوة الحق.
أي بنيتي، إني أخشى أن يكون زوجك -هداه الله- مأزوماً بأزمة نفسية، ويجعلك محطة تفريغ انفعالاته المريضة، ولذا فإن المواجهة توقف هذا النوع عند حده، وتشعره أن التمادي بلا حدود لا يمكن استمراره.
فإن توقف وارتدع فالحمد لله، ولعلها تكون نهاية المعاناة، وأن يؤلف الله بينكما بحياة مستقرة هانئة.
وإن أدى ذلك إلى أن يطلقك ويذهب عنك، فلا أظنك ستخسرين ما يؤسف عليه، وسيغني الله كلاً من سعته، وكان الله واسعاً حكيماً.
أعانك الله، ويسر أمرك، وفرج همك، ونفس كربك، والسلام عليك.