الوجه الأول: أن الحسنة والسيئة كلتاهما بتقدير الله تعالى وهذا معنى "قل كل من عند الله" [النساء: 78] أي بتقديره عز وجل، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده، وهذا معنى: "ما أصابك من حسنة فمن الله"، أما السيئة فسببها فعل العبد كما قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" [الشورى: 30] وهذا معنى قوله: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء: 79] أي بسبب فعلك، فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه لا إلى مقدره، أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله فهي من باب إضافة الشيء إلى مقدره وموجده.
الوجه الثاني: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى
(8/110) ] من أن المراد بالحسنة والسيئة في الآية الأولى يعني النعم والمصائب، كما في قوله تعالى: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم" - يعني نعمة- "وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها" - يعني المصائب- "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً" [آل عمران: 120] والمراد بالحسنة والسيئة في الآية الثانية الطاعة والمعصية، نحو قوله تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها" [الأنعام: 160] قال: وفي كل موضع ما يبين المراد باللفظ فليس في القرآن العزيز بحمد الله إشكال بل هو مبين، ا. هـ.
يعني أن الحسنة والسيئة تطلق في القرآن الكريم ويراد بها النعمة والمصيبة، كما تطلق ويراد بها الطاعة والمعصية، وفي سياق الآيات ما يدل على أي المعنيين هما المرادان.
ففي الآية الأولى المراد بالحسنة والسيئة فيها: النعم والمصائب، وكلها من عند الله، وفي الآية الثانية المراد بالحسنة والسيئة: الطاعة والمعصية، فالطاعة من الله تعالى تفضلاً وتوفيقاً، والمعصية من العبد فعلاً وإرادة، وإن كانت كل من الطاعات والمعاصي من عند الله تقديراً وإيجاداً، والله أعلم.