أختي الكريمة: أنا أقدِّر (ضخامة) المشكلة، لكن يتراءى لي أن حلها ليس مستحيلاً. وأنت الآن -بعقلك ومعرفتك- تتجهين -ربما دون شعور-منك لتوسيع دائرة المشكلة وتعميقها. إن المسألة -أختي الكريمة- ليست انتصاراً (حاضراً) للنفس، ولكنها حياة أصابها بعض الاعوجاج، هي بحاجة إلى تعديل، وإعادة قطارها إلى قضبانه، ومن المهم أن تسألي نفسك: هل كان هذا سلوك زوجك منذ اقترنت به؟ أما أنا فأشك. ومن خلال تجربتي في الاستشارات فإن الزوجين إذا لم يدخلا بيت الزوجية بوعي وحب فإن جذوة الارتباط -مهما كان وهجها- لابد أن تذوي، فالزوجان يدخلان وحدهما بيت الزوجية يملأ أنفسهما الفرح، وتملأ أذهانهما الأحلام، ويحسان بالقرب الشديد، لكن لأن هذا القرب جسدي فلن يلبث الجسدان أن يملا، ومن ثم يبدأ الابتعاد، ويسهم في الابتعاد مجيء الأطفال، الذين تنشغل بهم الزوجة عن الزوج، فمع مجيء كل طفل تنسحب أكثر، حتى تصبح العلاقة أحياناً مجرد الاجتماع في بيت، وعلى الطعام، والاستجابة -ربما على مضض- للحاجات الخاصة، ووقتها قد يتحوَّل الزوج إلى إنسان عصبي، يتنرفز عند أدنى موقف، أحياناً لأنه يحس أنه بدأ يعطي أكثر مما يأخذ، كما هو حال زوجك، الذي يرى أنه -حسب تعبيره- (أصبح سواقاً عندكم) ! وهو يدرك أنه في وقت مضى كان في (بؤرة) الاهتمام، واليوم صار على الهامش، وإذا كان موقعه بالأمس يدفعه للجلوس في البيت أكثر، والاحتكاك بأسرته، فإنه بات يجد من الاهتمام به من (شلته) أكثر مما يجد من أسرته، ويزداد الأمر سوءاً عندما تبدأ الزوجة تصب عليه (سوط) عتاب، أو لوم بصورة مستمرة، حينها يتحول الأمر إلى شعور عميق بضرورة الدفاع، أو إيثار الانسحاب والهروب! وفي كل الحالات فالزوجان بهذا يكونان قد سارا في طريق الإجهاز على ما تبقَّى من أسس العلاقة، ومن هنا تنطلق الزوجة تندب حظها مع هذا الزوج المتخلي عن مسؤولياته، المستهتر بحياته الزوجية والأسرية، وقد تظل (تنفّس) عند بعض الصديقات أو القريبات، حتى ربما أصبحت قصتها رواية تمضغها الأفواه. والزوج من جهته يصبح يبحث عما يملأ به وقته، وقد يجد في الفضائيات وسيلة جذب ترضي لديه بعض الجوانب، وقد يصبح لصيقاً بـ (الشلة) ، أو مدمناً للسهر والسفر.
إن كلامي السابق لا يعني بالضرورة أنه يمثل حياتك وزوجك، ولكني في الوقت نفسه أحسب أنه ليس بعيداً عنه جداً، ولكن من المهم أن تدرك امرأة عاقلة مثلك أنه يمكن -حين تصح العزيمة- تأسيس علاقة جديدة، ترجع فيها الأمور ربما أفضل مما كانت، ولكن لابد من إرادة قوية، ومخطط لبناء، وصبر على مراحله، ووسائل مساعدة؛ منها الأساسية، ومنها ما يحتاج إليه للتزويق. إن (مرآة) العلاقة الزوجية قد يصيبها الصدأ، لكن مهارة الزوجين أو أحدهما يمكن أن ترجعها إلى درجة كبيرة من الصفاء.