ابنتي الغالية: الحياة الزوجية ليست متمثلة فيما رأيت وشاهدت ممن ذكرت، ولكن الحياة أوسع من هذا كله، فلا داعي للتشاؤم، ودعي عنك هذه الأفكار السوداوية للحياة الزوجية، وإني سائلك فأجيبي: هل أخواتك أو زوجات إخوانك ملتزمات بشرع الله ويعلمن الحقوق الزوجية التي يجب عليهن أداؤها تجاه أزواجهن؟ وكذلك السؤال موجه للرجال، من إخوانك، وأزواج أخواتك، هل هؤلاء ملتزمون بشرع الله، ويعلمون ما لهم من حقوق، وما عليهن من واجبات فيؤدونها، أم ماذا؟
سؤال آخر: هل قام الزواج بين من ذكرت على أي أساس، بمعنى: ما هي المعايير التي تم بها الزواج؟ هل هي معايير دينية شرعية أم معايير دنيوية؟!.
بنيتي: لقد وضع لنا الشارع الحكيم ضوابط لكل شيء فمن سار على هذه الضوابط نجا، ومن تخلف عنها هلك، ومن ذلك بخصوص أمر الزواج، فالزواج أمره عظيم، وخطبه جسيم، لذا سماه ربنا - جل وعلا- الميثاق الغليظ، ولذا أحاطه بسياج قوي؛ لحمايته من الانهيار، فكانت أول هذه المبادئ مسألة الاختيار بالنسبة للزوجين، فحث الشباب على أن يتزوجوا من صاحبة الدين فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" متفق عليه البخاري (5090) ، ومسلم (1466) .
وكذلك حث الفتاة وولى أمرها على أن توافق على صاحب الدين إذا جاء يخطبها، فعن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ " أخرجه الترمذي (1085) بإسناد حسن.
وعلى ذلك -يا بنيتي- عليك بالالتزام بشرع الله في كل شؤون حياتك، وعليك بالزواج من الرجل الصالح، صاحب الدين والخلق القويم، والذي يعرف حدود الله ويتقيه، فهو يعمل بقوله -تعالى- "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" [البقرة:229] .
وقد سئل بعض السلف هذا السؤال: "جاء رجل يسأل أحد أئمة السلف، أظنه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- أو الحسن البصري - رضي الله تعالى عنه- المهم قال له: يا إمام إلى من أزوج ابنتي؟ قال: لا تزوجها إلا لتقي، قال له الرجل: ولِمَ؟ قال الإمام: إذا أحبها أكرمها، وإذا كرهها فلم يهنها"، قلت: وهذا تفسير قوله - تعالى-: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
فيا بنيتي: عليك أن تستفيدي من التجارب التي تمر بك، وحاولي أن تكون حياتك حياة طيبة مباركة بعيدة عن أسباب الخلاف والشقاق، تكون حياة ملؤها السعادة والفرح، وذلك لا يكون إلا إذا أسس البيت الأسري على تقوى من الله من أول يوم، ولا يغرنك كثرة الهالكين، فليس العجب فيمن هلك كيف هلك، ولكن العجب فيمن نجا كيف نجا، فاسلكي أسباب النجاة تحمدي العقبى.
هذا والله أعلم، والله أسأل أن يقر عينك بالزوج الصالح، والحياة الطيبة السعيدة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونحن في انتظار تواصلك معنا، هذا وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.