والإشكال الذي أورده السائل جوابه بسيط لا يحتاج إلى إيراد نصوص ونقل كلام الأئمة ولا إلى تفصيل مراتب القضاء وبيان أنواع الإرادة الشرعية والكونية، وإليك المثال التالي: شخص وُضِع أمامه كأس من عصير إن شاء شرب منه وإن شاء امتنع، وهو يشعر من نفسه أنه قادر على الشرب أو الامتناع، ولا يشعر أبدا أنه مجبر على فعل واحد منها، فإن شرب كان شربه له هو السابق في علم الله في الأزل، وأن الله -تعالى- قد كتبه في اللوح المحفوظ وأراده من عبده وهو سبحانه خالق هذا الفعل. وإن امتنع الشخص عن الشرب فكذلك. فإن قيل: كيف يفسر ذلك؟ فالجواب: أن هذا هو سر الله في خلقه، ولن يصل العبد إلى إدراك حقيقة ذلك وكنهه مهما أوتي من علم. ومثل ذلك يقال في جميع ما يأتيه الإنسان من أعمال الطاعات والمعاصي. فالقاتل مثلا الذي يتربص بالمقتول ويخطط لتنفيذ جريمته، ثم يمشي إليها برجليه ويرتكبها بيديه، فلا شك أنه يفعل ذلك بإرادته ومع ذلك فلا يخرج شيء منه عن قضاء الله وقدره، ولله الحكمة البالغة.
قد يقول شخص ولكن قد يقع من الإنسان شيء وهو لا يريده ولا يقصده. فالجواب أن هذا لم يقع به التكليف، ولهذا سقط القصاص عن القاتل خطأ لأنه لم يرده ولم يقصده، فجاء رفع القلم، والمراد الجناح عن النائم، والمجنون، والصغير الذي لا يعقل. والله -تعالى- أعلم.