حكم التراجع عن الوفاء بالعقد بعد توقيعه
قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث 16/3/1426
25/04/2005
قرار المجلس:
توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعًا، ولا يجوز لأحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة، دون رضى الطرف الآخر، فهذا مخالف لما أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأكدته نصوص القرآن والسنة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: من الآية1] ، وقال عز وجل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: من الآية34] ، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: من الآية91] .
وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون بالعهود وينقضونها من بعد ميثاقها، في آيات كثيرة، منها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77] .
واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها" وذكر منها: "إذا عاهد غدر" رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو (?) .
وليس من الضروري أن يكون العقد مكتوبًا، فمجرد الإيجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد، ولكن له خيار المجلس على ما نرجحه، فلو تبين له عقد آخر، وهما لا يزالان في مجلس العقد، فمن حقه أن يرجع، كما جاء في الحديث الصحيح: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" متفق عليه عن ابن عمر (?) . فقد جعل الحديث فرصة للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية.
ومثل ذلك لو كان مغبونًا غبنًا فاحشاً يرفع أمره إلى جهة تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلك، عملاً بمذهب الحنابلة وغيرهم.
ويستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقد بعد إتمامه إذا اشترط لنفسه الخيار أيامًا معدودة، يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خلالها، وهذا ما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة، حين شكا إليه أنه كثيرًا ما يخدع في البيع، فقال له: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" أي لا خداع، وهذا في الصحيحين (?) ، وفي خارج الصحيحين: "ولي الخيار ثلاثة أيام" (?) ، والمسلمون عند شروطهم.
[القرار 6/6]