قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى " واتخذوا من مقام إبرايهم مصلى" بعد ذكره الأحاديث الواردة في الصلاة عنده- قال: قلت: وقد كان هذا المقام ملصقاً بجدار الكعبة قديماً، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة، أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا - والله أعلم- أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف، وناسب أن يكن عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحد الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر"، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قال عبد الرزاق: عن ابن جريج، حدثني عطاء وغيره من أصحابنا، قال: أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عبد الرزاق أيضاً: عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الحافظ أبو بكر أحمد ابن الحسين بن على البيهقي، أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل: حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل، السلمي حدثنا أبو ثابت حدثنا الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن المقام كان زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الله عنه ملتصقاً بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا ابن أبي عمر العدني، قال: قال سفيان - يعني: ابن عيينة- وهو إمام المكيين في زمانه: كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد قوله: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى". قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه، وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله، وقال سفيان: لا أدري أكان لاصقاً بها أم لا.
فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، والله أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا ابن عمر، وهو: أحمد بن محمد بن حكيم، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب بن أبي تمام، أخبرنا آدم، هو: ابن أبي إياس في [تفسيره] ، أخبرنا شريك عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد قال: قال: عمر بن الخطاب: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا، قال مجاهد: وكان عمر يرى الرأي، فينزل به القرآن، هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد، عن مجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضاد هذا بما تقدم، والله أعلم. اهـ.