احتج العلماء بهذين الحديثين على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان ووجوب العمل بها، وهو أصح قولي العلماء، كما تقدم بيان ذلك، وقد تقدم أيضًا أنه متى حكم بها حاكم شرعي، وجب العمل بها إجماعًا، كما سبق نقل ذلك عن النووي- رحمه الله- في شرح المهذب، فنعوذ بالله من القول عليهم بغير علم.
ثم قال ابن محمود في ختام رسالته ما نصه: ولقد تقدم مني القول برسالتي لاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام، فدعوت فيها الحكومة حرسها الله إلى تعيين لجنة عدلية استهلالية، من العدول الذين لهم حظ من قوة البصر، فيراقبون الهلال وقت التحري بطلوعه خاصة لشعبان، وحتى إذا حصل غيم أو قتر حسبوا له ثلاثين، ثم صاموا رمضان، ثم يراقبون عند مستهل ذي الحجة، لمعرفة ميقات الحج، وهذه اللجنة لا ينبغي أن تقل عن عشرة أشخاص من العدول الثقات، ولهم رئيس يرجعون إليه في لم شملهم. اهـ. المقصود. ولا يخفي ما في هذا الكلام من التكلف والتشريع الجديد، الذي لم ينزل الله به من سلطان، بل هو اقتراح في غاية الفساد، لا يجوز التعويل عليه، والالتفات إليه، لأن الله سبحانه قد يسَّر وسهَّل، وأجاز الحكم بشهادة عدلين اثنين في جميع الشهور وعدل واحد في شهر رمضان، فلا يجوز لأحد أن يحدث في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، ولم تأت به سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله عز وجل: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى:21] . وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ". أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث عائشة، رضي الله عنهما. وفي رواية مسلم عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن عمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ".
وهذا ما أردنا التنبيه عليه من الأخطاء الكثيرة التي وقعت في رسالة الشيخ عبد الله بن محمود. ونسأل الله أن يهدينا وإياه سواء السبيل، وأن يعيذنا وإياه وسائر المسلمين من القول على الله وعلى رسوله بغير علم، ومن الإحداث في دين الله ما لم يأذن به الله. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.