الناس كلهم، أو يراه الجم منهم، كما تدل أيضًا على أنه ليس من شرط صحة شهادة الشاهدين العدلين، أو شهادة العدل الواحد في الدخول، أن يراه الناس في الليلة الثانية، لأن منازله تختلف، وهكذا أبصار الناس ليست على حد سواء، ولأنه قد يوجد في الأفق ما يمنع الرؤية في الليلة الثانية. ولو كانت رؤيته في الليلة الثانية شرطًا في صحة الشهادة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه المبلغ عن الله، والموضح لأحكامه- عليه الصلاة والسلام. وحكى الترمذي: إجماع العلماء على قبول شهادة العدلين في إثبات الرؤية، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الفتاوى (ج25ص186) بعد ما ذكر اختلاف أبصار الناس في الرؤية وأسباب ذلك ما نصه: لأنه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالإجماع، وإن كان الجمهور لم يروه، ولعل مراده بحكاية الإجماع وقت الغيم، لأن خلاف أبي حنيفة- رحمه الله- في عدم إثبات دخول الشهر في وقت الصحو بأقل من الاستفاضة أمر معلوم لا يخفي على مثله- رحمه الله- وهذا كله إذا لم يحكم بذلك، فإنه يرتفع الخلاف ويلزم العمل بالشهادة المذكورة إجماعًا، كما ذكر ذلك العلامة أبو زكريا يحيى النووي في شرح المهذب (ج/6 ص313) بعدما ذكر أسباب اختلاف أبصار الناس في الرؤية، وهذا نص كلامه: ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد، وحكم به حاكم، لم ينقض بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع، ولو كان مستحيلاً لم ينفذ حكمه ووجب نقضه.
ثم قال ابن محمود، بعد كلام سبق ما نصه: يا معشر العلماء الكرام، ويا معشر قضاة شرع الإسلام، لقد وقعنا في صومنا وفطرنا في الخطأ المنكر كل عام. اهـ. ولا يخفي ما في هذا الكلام من الخطأ العظيم، والجرأة على القول بخلاف الحق، فأين له تكرار الخطأ في كل عام في الصوم والإفطار، والقضاة يحكمون في ذلك بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأجمع عليه أهل العلم، كما سبق بيانه.