قال -جل وعز-: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"، (الشورى) .

2-أن الله -تعالى- أعلن كمال الدين، وتمام النعمة بقوله الكريم: "اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا"، فليس لأحد أن يجيء بجديد أو يبتدع من عند نفسه عبادة لا أصل لها مهما حسنت نيته، وسما قصده، وعلت همته.

3-أن العبادات مبنية على التوقيف أي: على الشارع الحكيم -سبحانه- فلا تخضع للأذواق، ولا تنطلق من الأهواء، ولا يمليها العقل البشري.

أرأيت صلاة الظهر والعصر، ما بال ركعاتهن أربع فأربع؟ ولمَ لم تكن خمساً؟ إن العقل يعجز عن تفسير أمر كهذا فما عليه إلا أن يذعن للإرادة الإلهية، ويرضخ للحكمة الربانية الباهرة.

4-أننا لو أخضعنا عباداتنا للمقاييس العقلية، والمعايير الحسابية والأذواق الشخصية لوقعنا في دوامة من الحيرة والقلق، ولوجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، بل نتخبط في متاهة مهلكة من الفتاوى المتضاربة، والانتقادات التعبدية المتصادمة، والأحكام الفقهية المتناقضة دون أن نجد مرجعية يتفق عليها الجميع لحل النزاعات المستشرية تلك، فلا مناص إذاً من ردّ النزاع في كل مسألة من المسائل أو قضية من القضايا إلى الله ورسوله -عليه السلام- امتثالاً لقوله -سبحانه-: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول"، (النساء) .

وإذا رددنا المسألة هذه إلى الله ورسوله -عليه السلام- وجدنا نبينا قد نهى عن محدثات الأمور ووصفها بأنها ضلالات، ومن ذلك تخصيص أيام وليال للتعبد خلاف ما شرع وسنّ -عليه الصلاة والسلام-.

أما ما ذكر السائل الكريم من قوله -عليه السلام-: "مثل المؤمنين في توادهم ... " الحديث فهو حديث صحيح لا مطعن فيه خرجه مسلم وغيره، ولكن لا وجه للاستشهاد به في مسألتنا هذه فنحن نمنع إحداث عبادات بلا دليل ولا نمنع أن يتواد المؤمنون ويتراحموا ويعطف بعضهم على بعض، بل شيوع المودة والمرحمة والمحبة بينهم هو غاية المنى، وبهجة الصدور ويمكن أن نحقق شيئاً من هذا المطلب بدوام الدعاء لبعضنا البعض، ووقوف بعضنا مع بعض في السراء والضراء، وهكذا.

وأما دعوة وأمنية السائل بأن نجتمع ونتوحد فهذا مطلب لكل مسلم غيور، وينبغي أن يسعى إليه الجميع لكن لا سبيل للاجتماع إلا بذات الأسلوب والمنهج والركيزة التي اجتمع عليها سلفنا الصالح من التسليم المطلق إلى حكم الله ورسوله، ونبذ الأهواء المضلة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه.

وأما الحكمة التي أعجبت السائل: (من وجد الله فماذا فقد ... إلخ) ، فأحسن وأبلغ منها قوله -تعالى-: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، فمن ادّعى محبة الله فليثبت صدق محبته بمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل صغيرة وكبيرة من أمور شريعته، ولذا سمّى العلماء هذه الآية آية المحنة؛ لأن فيها امتحان لصدق الناس من كذبهم في مسألة المحبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015