وأما من لم يكن عنده من الرسول خبر أصلاً ولا تمكن من معرفته بوجه وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟!

الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين:

أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.

الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.

فالأول: كفر إعراض

والثاني: كفر عناد.

وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل، (طريق الهجرتين 727-729) .

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشريف: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي هو قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فتاوى ومسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب/صـ11/آخر القسم الثالث.

وقال الشيخ الشنقيطي بعد إيراد الآية السابقة: "ظاهر هذه الآية الكريمة أن الله -جل وعلا- لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليه رسولاً ينذره ويحذره فيعصى ذلك الرسول ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار.

ثم ذكر -رحمه الله- اختلاف العلماء في هذه المسألة ثم قال: "الظاهر أولاً هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا وأن الله يوم القيامة يمتحنهم ... "، (أضواء البيان/3/429) .

الوجه الثاني: الإجابة على المسائل التي أوردها المعترض.

1-قوله: الفتوى التي تصدر يجب أن تكون محكمة وفق الدليل من الكتاب والسنة.

بعد عرض زيادة الإيضاح أظن أنه تبين أن الفتوى محكمة وأنها وفق الكتاب والسنة وتقرير علماء الأمة.

2-قوله: كل قول مخالف لكتاب الله -عز وجل- أو للسنة فهو مردود ولا عبرة في المخالف.

كلام صحيح ولكن لا ينطبق على الفتوى كما رأينا.

3-قوله عن الفتوى إنها: مخالفة لكلام الله والسنة وإجماع أهل العلم.

أهذا الحكم يليق بطالب العلم أن يطلقه جزافا؟ فيزعم أن الفتوى مخالفة لكتاب الله وقد رأى أيضاً الآيات التي تدل على صحتها؟

ثم يزعم أنها مخالفة لإجماع أهل العلم!!

أيليق بطالب علم يفهم ما يقول أن يطلق هذا الحكم وقد رأينا أن علماء أجلاء قرروها واعتمدوها؟!

4-قوله: لن يعذر أحد من تلبس في الشرك..، قال بعد آية الميثاق.

والرد عليه قاله الشيخ الشنقيطي فقد أورد -رحمه الله- قوليه في الآية ورجح أن الحجة لا تقام إلا ببعثة الرسل فقال: "والآيات القرآنية مصرحة بكثرة بأن الله -تعالى- لا يعذب أحداً حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل" ثم استرسل بذكر الآيات الدالة على هذا المعنى.

5-قوله أن: الآية التي هي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (سبق تخريجها) -ذكر أنها- تخص الشرائع التي تكون بعد البعثة من الأمور المفصلة وليس الشرك والكفر.

فهذا قول لم أجد أحداً قال به.

وأخيراً أنصح هذا الأخ أن لا يتعجل في إطلاق الأحكام وأن يراجع كلامه وليعلم أن الرجوع إلى الحق فضيلة والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015