وأما قولك ـ أخي الفاضل ـ: إن الدش الذي سيشتريه الأخ السائل يمكّنه أن يستقبل عشرات القنوات، فذلك لم يكن خافياً علي، ولأجل هذا قلت في الجواب: (فلا حرج إذن أن تقتنوا الدش، ولكن بشرط أن تحجبوا كل القنوات الفاسدة) .

أما مسألة قدرة الأبناء على فك التشفير وفتح القنوات المحظورة، فلا أظن هذه أهون عليهم من زيارةٍ لإحدى المقاهي المنتشرة والتي تعرض قنوات مشفرة أفجر وأخلع من تلك القنوات التي يمكن أن يستقبلها الدش الموجود في البيت.

كما أن هذا الاحتمال المخوف من الممكن درؤه بوضع جهاز الاستقبال (ما يسمى بالرسيفر) في صندوق محكم لا تنفذ إليه إشارات (الريموت) ، فلا يقدر أحد على فتحه أو تغيير قنواته وفك تشفيره.

وإذا كنا نرى التخوف من قدرة الأبناء على فك التشفير ومشاهدة القنوات المحجوبة يوجب علينا منع الناس من اقتناء الدش مطلقاً ولو لمشاهدة قناة المجد سداً للذريعة، فليوجب هذا التخوف علينا أن نمتنع من تصفح الإنترنت في بيوتنا؛ لأنه ربما كان لأحدنا أبناء مراهقون قادرون على دخول المواقع الإباحية بطرقٍ هم أدرى بها منّا.

ألا ترانا أخي نبالغ أحياناً في مسألة سد الذرائع حتى أصبح الاستثناء أصلاً والأصل استثناء، وأصبح الاحتمال السيء حاكماً على أمور حسنة راجحة ذات مصالح متحققة؟!

أخي الحبيب: يجب ألا نجعل هذه الاحتمالات البعيدة موجباً لتحريم شيء ليس حراماً في ذاته، وغاية ما تدفعنا إليه هذه الاحتمالات أن نحكم الرقابة على هذه الأجهزة حتى لا تنقلب وسيلةً للمحرم.

وشيء آخر مهم أُنبِّه إليه، وهو أن الفتوى ليست خاصة لأهل الجزيرة، والذين يغلب عليهم الاقتدار على الاشتراك في قناة المجد، فالموقع يتصفحه القاصي والداني، والمقيم في هذه الجزيرة والمقيم خارجها، فمن الحكمة أن يُراعى في شأن الفتوى العامة أحوال الناس المختلفة باختلاف الأقطار.

كما أن السائل من أهل مصر، والاشتراك في قناة المجد في بلادهم وإن كان متاحاً لكنه على نطاق ضيق محدود جداً ـ كما أخبرني بذلك أحد المسؤولين في القناة ـ وقيمته باهظة بالنسبة لأكثر الناس هناك.

فإذا كان من الممكن أن يفيد أحد هؤلاء (غير القادرين على الاشتراك في القناة) من برامجها مع تأتِّي حجب القنوات الفاسدة، فهل من الحكمة والحيطة أن نمنعه منها تخوفاً من أن يستطيع أبناؤه أن ينفذوا إلى القنوات المحجوبة؟ وما هو من قبيل هذا الاحتمال البعيد، والذي يمكن أن يُدرأ كما بينته سابقاً؟!

وأما اعتراضك بكون الخمر أيضاً فيه منافع للناس، ومع ذلك حرَّمها الإسلام، فهو اعتراض معتبر لو أن السؤال كان عن مشاهدة القنوات كافة، والتي إثمها أكبر من منافعها، غير أن السؤال كان عن اقتناء الدش لمشاهدة قناة المجد التي لا نعلم عنها إلا خيراً.

أراه رأياً فطيراً تُنتجه نظرة قاصرة محدودةٌ بحدود إقليمٍ أو بلد ما حين نجعل الناس كلهم محصورين بين خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يشتركوا في قناة المجد فلا يشاهدونها إلا عبر جهازها الخاص، أو ليبقوا محرومين منها ما داموا غير موسرين.

ألا يشرع لهم خيار ثالث يمكن أن تتحقق فيه المصلحة مع القدرة على درء المفسدة: وهو أن يقتنوا أي جهاز يستقبل هذه القناة بشرط أن يحجبوا القنوات الفاسدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015