أما إذا ذُكر الكبراء الفاسدون على وجه لا تحصل به أي مصلحة من المصالح السابقة بل على سبيل السب والتهكم وإشغال المجالس وتقطيع الأوقات ومجارات الجلساء، أو كان ذكرهم مبنياً على ظنون لا صحة لها، أو على أفعال يظن المتكلم أنها من موارد ذمهم، وهي ليست كذلك، فإن ذلك لا يجوز، أو على أقل الأحوال هو من فضول الكلام الذي ينبغي تركه.

وعلى المؤمن أن يشتغل بما ينفعه من الأقوال والأفعال، وليعلم أن الله –تعالى- لم يأمره إلا بما يستطيع، وقد عفى عنه فيما لا يستطيع، قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم". [التغابن:16] .

قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- مبيناً الفرق بين الغيبة المحرمة والجائزة في حق الفاسق: "فإذا ذكرنا فسقه على وجه العيب والسب فإن ذلك لا يجوز، وإن ذكرناه على سبيل النصيحة والتحذير منه فلا بأس بل قد يجب" ا. هـ شرح رياض الصالحين (4/63) .

ومما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم في كتابه السنة (1015) عن أنس –رضي الله عنه- قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7523) . وأنس –رضي الله عنه- تأخرت وفاته إلى 92-93هـ وقد أدرك زمن الحجاج بن يوسف وهو من الظلمة المشهورين.

وفي كتاب آداب الحسن البصري لابن الجوزي (ص119) : سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل رحمك الله إنكم من أنفسكم أُتيتم إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير؛ فقد روي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "عمالكم كأعمالكم وكما تكونوا يول عليكم". [وانظر السلسة الضعيفة رقم (320) ] .

ولقد بلغني أن رجلاً كتب إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال –الحكام ونحوهم- فكتب إليه: يا أخي وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال, وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب والسلام.

ولقد بلغني أن أبا بكر –رضي الله عنه- خطب على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيها الناس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله جل ثناؤه يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني منكم جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا قلوبكم بسبب الملوك، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم". انتهى.

[والأثر لا يصح مرفوعاً، انظر الطبراني الأوسط رقم (8957) ، ومجمع الزوائد (5/249) قال فيه إبراهيم بن راشد وهو متروك] .

وذكر الغزالي في الأحياء (3/303) عن رجل دخل على ابن سيرين، فتناول عنده الحجاج فقال ابن سيرين: إن الله حكم عدل ينتقم للحجاج ممن اغتابه كما ينتقم من الحجاج لمن ظلمه، وإنك إذا لقيت الله غداً كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج. ا. هـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015