التنبيه الثالث: أن جميع ما ذكرنا من التفصيل في التلفزيون وما يشبهه من كل ما يشتمل على الصور، إنما يجري على القول بأن التصوير فيها ليس من قبيل المحرم، سواء قلنا إنه لا يشمله معنى التصوير المحرم، كما يقوله بعض المعاصرين، أو قلنا إنه داخل في التصوير وإنما جاز للحاجة والمصلحة العامة، كما يقوله علماء كثيرون؛ بل منهم من كان يشدد في التصوير بأنواعه، ومع ذلك يرى أنه إذا اشتمل على مصلحة جاز، كمثل شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى، فإنه كان يرى المصلحة في تصوير المحاضرات ونحوها لتعميم فائدتها، وكذلك العلامة الألباني رحمه الله أيضاً، فإنه مع تشدده في شأن التصوير، إلا أنه كان يرى إخراج الأفلام في تعليم الصلاة ونحوها.
وقد ظهر لي بعد التأمل في شأن التصوير الفوتوغرافي والمتحرك أيضاً (الفيديو) أننا وإن قلنا: إنها كانت داخلة في عموم التصوير؛ لكنها أخف من التصوير الوارد تحريمه في النصوص لانتفاء المضاهاة، وهي العلة التي دل عليها حديث أبي هريرة وحديث عائشة رضي الله عنهما.
وانتفاء المضاهاة هنا لكون هذا التصوير لا يمكن أن يدعي من قام به أنه أتى بما يشبه الحقيقة، بل الناس مجمعون على أن هذه الصورة هي عين الحقيقة التي خلقها الله تعالى، فهي كالصورة في المرآة لا تختلف، وإنما الفرق في التحكّم فيها وتثبيتها.
وليس هذا موضع تفصيل ما يتعلق بتحقيق هذا المأخذ.
وأما العلة الثانية وهي خشية الشرك فهي أيضاً ليست في قوة تحققها كالتصوير في الماضي؛ وذلك لكون هذا الأمر أصبح مجرد وسيلة اتصال واطلاع، ليست الصورة فيه مقصودة لذاتها، كما أصبح عاما شائعا لا يختص بكبير أو صغير.
ولذا فإذا قويت هذه العلة حرم التصوير واقتناؤه؛ كمثل الصور المعلقة للعظماء، والصور المجسمة لغير لعب الصغيرات ونحو ذلك.
وعلى هذا فما دامت العلتان أصبحتا في شأن هذا التصوير أخف، فينبغي أن يكون الحكم كذلك، ولذا جاز للحاجة والمصلحة، بخلاف التصوير في السابق، فإن العلتين فيه أقوى مع ضعف المصلحة المعارضة على فرض دعوى وجودها في أمرٍ ما.
وهذا المقام لا يتسع لبسط هذه المسألة بأكثر مما سبق.
التنبيه الرابع: علم مما تقدم أن مسألة التصوير المعاصر مسألة اجتهادية لا ينبغي التشنيع فيها على المخالف، فمن رأى التحريم مطلقاً فلا شك أنه يرى التحريم في جميع وسائل الإعلام المشتملة على الصور.
وهذا قول له وجاهته، وللقائلين به اعتبارهم واحترامهم، ولكن تبقى المسألة اجتهادية لا يعنف طرف فيها طرفاً, ولا يحمله على رأيه حملاً، ولا يقصره عليه قصراً.
وكذلك مسألة المشاركة في التلفزيون والقنوات الفضائية، حتى عند من يرى جواز التصوير للحاجة، إذا رأى فيها المنع فعليه أن يدرك أنها مسألة اجتهادية، لا تصل إلى حد تسفيه المخالف وتعنيفه وطرد اللوازم على قوله.
ومن العجب أن يصل الإنكار فيها إلى المنع من السعي لتأسيس قناة فضائية إسلامية تعمل وفق منهج إسلامي ومن خلال هيئة شرعية!
فماذا يريدون إذاً أن يعمل أهل الخير والإصلاح؟! أم أنهم يعزلون أنفسهم عن واقعهم بوسائله وإمكانياته؟!
مع أن من ينكر ذلك قد يستخدم وسائل ليست بأنقى ولا أصفى من القنوات كالإنترنت وأضرابه.