وقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات " أخرجه أبو داود (4319) بسند صحيح عن عمران -رضي الله عنه -.
فعلى المسلم أن يجتنب مواضع الفتنة ووسائلها ما استطاع.
القاعدة الثالثة: أن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومثلها قاعدة مالا يتم اجتناب المنهي عنه إلا به فهو واجب، وهذه قاعدة قد نص عليها الفقهاء والأصوليون، ومن أخذ بها سلم من كثير مما قد يقع فيه الناس من المعاصي والأخطاء، دون أن يدركوا سبب وصولهم إليها.
فمثلاً من كان سهره في الليل يثقله عن صلاة الفجر، فإنه يحرم عليه السهر الذي سيوصله إلى هذا الحد؛ لأن مالا يتم الواجب -وهو أداء الصلاة- إلا به -وهو ترك السهر- فهو واجب.
القاعدة الرابعة: وهي تابعة للسابقة، أن كل ما يلهي، أو يصدّ أو يضعف عن عمل واجب سواء كان لله، كالصلاة، أو لأحدٍ من عباده، كحق الوالدين، والزوجة، والأولاد، فإنه محرم في حاله تلك.
قال سبحانه: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" [المائدة:91] .
وقال جل ذكره: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" [المنافقون:9] ، ولغير ذلك من الأدلة.
إذا تقررت القواعد السابقة فإن الحكم يتضح إن شاء الله فيما يتعلق بالتلفزيون وغيره من وسائل الإعلام، بل وبكل وسيلة هي في الأصل مباحة.
فما عليك إلا أن تطبق القواعد السابقة على تلك الوسيلة ليتبين لك الحكم.
فمثلاً ما يسمى التلفاز أو الرائي، هو في الأصل آلة ووسيلة تعرض ما تُمدّ به من مادة، فيكون حكمه بحسب هذه المادة، فإن كانت مباحة فاستعماله مباح، وإن كانت محرمة فاستعماله محرم.
فإن كانت المادة مختلطة؛ فيها محرم وفيها مباح فالحكم العام في استعماله يستند إلى القاعدة الأولى، وهي أن الحكم للأغلب، فإذا غلب على برامجه الإباحة كان استعماله مباحاً وإذا غلب على برامجه التحريم كان محرماً.
وهذا الحكم حكم إجمالي لا يعني أننا إذا قلنا بالإباحة أن يباح النظر إلى المحرم منه وهي النسبة القليلة كصور النساء والأغاني ونحوها.
بل المقصود أن يكون الاستعمال مباحاً مع اجتناب المحرم.
وأما لو غلب المحرم فالاستعمال محرم، ولا ينظر إلى وجود المباح القليل فيه.
وبهذا الميزان العام يمكن أن يجاب عن السؤال فيما يتعلق بالتلفزيون، لأن التلفزيون الآن ليست المادة فيه واحدة حتى يعطى حكماً واحداً، بل هو متعدد المواد، يزداد كل يوم تعدادها.
فمنه الفيديو الذي يتوقف الحكم فيه على حكم الأشرطة التي تعرض فيه.
ومنه التلفزيون المحلي، ومنه الفضائيات، وكلها تندرج تحت القواعد السابقة عند الحكم عليها.
بل تلك القواعد يستفاد منها في الحكم على غيرها من الوسائل كما تقدم، ومن ذلك الإنترنت.
وخلاصة القول: