وبناء على هذا الأصل فإن العلماء يذكرون آحاد المكفرات على وجه العموم والإطلاق لتعلم وتحذر دون أن يكون مقصودهم تكفير كل من اتَّصف بها؛ لأن المعين لا يكفر إلا إذا قام به مقتضى التكفير الذي لا معارض له، وذلك بتحقق شروطه وانتفاء موانعه، ولهذا فإن الإمام أحمد أطلق القول بتكفير من قال بخلق القرآن، ومع ذلك فإنه لم يكفِّر الخليفة الذي امتحنه على القول بخلق القرآن وضربه وحبسه، بل دعا له وحلله ولم ينزع يدًا من طاعته، وذلك لانتفاء شروط التكفير في حقه ووجود الموانع، كالتأول وغلبة الشبهة، وهكذا شأن الشيخ/محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، فإنه كان يذكر نواقض الإسلام على وجه العموم والإطلاق، ولم يقصد من ذلك تكفير كل من اتصف بشيء من هذه النواقض، ومن ذلك موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين، والتي جاءت النصوص الصريحة في تحريمها، كقوله جل وعلا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] . وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الممتحنة:1] .
لكن لا يصح تكفير كل من والى المشركين، لأن تكفير العين بموالاة المشركين يتوقَّف على وجود شروطه وانتفاء موانعه، ومن أهم الشروط المعتبرة في التكفير بموالاة المشركين القطع بأن ما فعله المعين من الموالاة المكفرة، فإن من الموالاة ما لا يكفر فاعله، ولهذا أنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- على حاطب بن أبي بلتعة ما فعله من موالاة المشركين، ولم يرفع عنه وصف الإيمان، بل قبل عذره، وأثبت تأثير حسناته في تكفير ذنبه، لأنه لم يفعل ما فعل رضا بالكفر ومحبة له، وإنما فعل ما فعله مصانعة لقريش؛ لما له عندهم من الأموال والأولاد، وهكذا شأن كل من وقعت منه الموالاة مداراة ومصانعة فإنه لا يكفر بما فعله، وإنما يكون من جملة عصاة المؤمنين.
وأما الموانع المعتبرة في التكفير بالموالاة وغيرها من آحاد المكفرات فهي كثيرة من أشهرها الإكراه، فإن من أكره على الموالاة أو غيرها من آحاد المكفرات، وكان المكرِهُ قادرًا على إنفاذ وعيده والمكرَه عاجزًا عن الدفع، فإنه لا يكفر بما فعله من مصانعة الكفار وإظهار موالاتهم إذا كان قلبه حال فعله مطمئنًا بالإيمان.