الثاني: أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم-: " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر" أخرجه البخاري (3246) ، ومسلم (2834) ، فهؤلاء البشر ليسوا على صورة القمر من كل وجه، بل على صورتهم، لكن في الوضاءة والحسن والجمال، وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه.
الثالث: أن الإضافة في قوله: "على صورته" من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيعني خلقه على الصورة التي اختارها، واعتنى بها خلقاً، وتصويراً، فإضافة الله الصورة إليه من باب التشريف والتكريم.
ولا يعني ذلك نفي الصورة، فإنها ثابتة لله –تعالى- بأدلة كثيرة، وسيأتي بيان معناها، أي معنى الصورة التي تكون لله –تعالى- وتليق بجلاله وعظمته.
وهذا الوجه – أعني الوجه الثالث- صحيح، وله نظير، لكن الوجه الثاني أسلم منه؛ لأن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة، وإمكاناً في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه، مع اعتقادنا الجازم أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره. فإن قيل: ما هي الصورة التي لله –تعالى- ويكون آدم عليها؟
فالجواب: أن الله –تعالى- له وجه يليق بجلاله وعظمته، وله عينان تليقان بجلاله وعظمته، وله يدان تليقان بجلاله وعظمته، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الصفات مماثلة لصفات الآدمي، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة تكون على صورة القمر، لكن بدون مماثلة، وهذا بالنسبة بين المخلوق والمخلوق، فكيف بالأمر إذا كان بين الخالق – سبحانه- وبين المخلوق الذي هو ليس بشيء بالنسبة إلى الخالق- سبحانه- "ليس كمثله شيء".