واختلف السلف في هذا الاستثناء فقيل معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار، ثم أخرج منها لا لكلهم وقيل إلا مدة مقامهم في الموقف، وقيل إلا مدة مقامهم في القبور والموقف، وقيل هو استثناء الرب لا يفعله كما تقول والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه، وقيل إلا بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة وهو ضعيف، وسيبويه يجعل إلاّ بمعنى لكن فيكون الاستثناء منقطعاً ورجحه ابن جرير، وقال إن الله تعالى لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: "عطاء غير مجذوذ"، قالوا ونظيره أن تقول أسكنتك داري حولا إلا ما شئت- أي سوى ما شئت- ولكن ما شئت من الزيادة عليه، وقيل الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله لا أنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود كما في قوله تعالى: "ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً" [الإسراء:86] ، وقوله تعالى: "فإن يشأ الله يختم على قلبك" [الشورى:24] ، وقوله: "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به" [يونس:16] ، ونظائره كثيرة يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقيل إن "ما" بمعنى: من أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء، وقيل غير ذلك، وعلى كل تقدير فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: "عطاء غير مجذوذ" محكم، وكذلك قوله تعالى: "إن هذا لرزقنا ما له من نفاد" [ص:54] ، وقوله: "أكلها دائم وظلها" [الرعد:35] ، وقوله: "وما هم منها بمخرجين" [الحجر:48] ، وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى، من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها، والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيرة كقوله –صلى الله عليه وسلم -: "من يدخل الجنة ينعم ولا يَبْأَسُ ويخلد ولا يموت" رواه مسلم (2836) والترمذي (2525) واللفظ له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "ينادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً" رواه مسلم (2837) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه-، وذكر ذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ولم يجيء مثل ذلك في عذاب أهل النار.