وإني أدعوكم بدعوة القرآن الكريم أن تقبلوا موقفهم هذا وقلوبكم مؤمنة بأن الله - سبحانه وتعالى - سيغيرهم من حال إلى حال؛ فقد وعد سبحانه وتعالى بأن الذين يقابلون الإساءة بالحسنى يُغيّر الله لهم القبيح حسناً والبخيل كريماً والجبان شجاعاً والعنيف مسالماً، بل والكافر مؤمناً، ألم يعدنا ربنا وعداً حسناً بقوله: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" [فصلت: من الآية34] ، فالكلمة الطيبة ورَدَّ السيئة بالحسنة تنتزع من الصدور كل أنواع الغل والحقد، وتجعلها مستعدة لعمل الخير وقبول الحق، لهذا السلوك - أي دفع السيئة بالحسنة والتسامح مع الآخرين عند الإساءة - مقام عظيم لا يصل إليه كل الناس، بل الصابرون، المحتسبون المتيقنون بالجزاء الأوفى من الله: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" [فصلت:35] .
وفي الأخير أخاطب الإخوة الذين امتنعوا عن المساهمة في المسجد، فأقول لهم بأن لكل غائب عذر وإني لا أعلم هل لهم عذر في عدم المساهمة أم لا، فإن لم يكن لهم عذر فإني أدعوهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا لقوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2] ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر" متفق عليه.
وأنت في بلاد الغرب، والمؤامرات تحاك بالليل والنهار لإدماجكم وتذويبكم، والكفر والفساد محدق بكم والانحلال الخلقي والتمزق الأسري يهددكم، فاعلموا علم اليقين أن لا حافظ لكم إلا الله ولا مأوى لكم إلا مساجده، فاتقوا الله إخواني وكونوا للحق أعواناً.
والدين النصيحة، وإني أنصحكم أن تكونوا جماعة واحدة تحت إدارة واحدة، فحتى لو وُجد بعض التقصير؛ فإن ظلمة الجماعة خير من نور التفرد والتشتت، ولا تتبعوا كل دعوة تُفرِّق الشمل وتمزِّق الصف سواء كانت قومية أو عرقية أو حزبية، فأنتم عباد الله المسلمون، والمعادلة التي ينبغي أن تضعوها نصب أعينكم هي: إما التمسك بالإسلام، وإما الضلال المبين والعياذ بالله، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم.
لقد قلتم في رسالتكم: (لقد قمنا ببناء مسجد بفضل الله وذلك عن طريق القرض) ، وما دام أنه لم توضحوا في رسالتكم الكريمة مصدر القرض فاسمحوا لي بهذا التساؤل، إن كان عن طريق مؤسسة ربوية فلا ريب أن ما تلاقون من مشاكل ليس إلا بسبب هذا، فالله يمحق الربا ويربي الصدقات؛ فعجِّلوا بالتخلص من هذا القرض والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كان القرض قرضاً حسناً بدون فوائد؛ فأسأل الله أن يعينكم ويرفع ضائقتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.