وأما قوله تعالى: "يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ" [الأعراف: 26] ؛ فلا يفيد بالمثل أن ما نلبسه هبط من السماء، لأن مصدره معلوم كالصوف من الحيوان والقطن من نبات الأرض, ولذا اجتهد المفسرون في صرف (أنزلنا) عن معنى الهبوط, قال الشوكاني: "عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق أي خلقنا لكم لباساً" [تفسير فتح القدير للشوكاني (ج2ص197) ] .
وقال الجصاص: "وإنما قال أنزلنا لأن اللباس يكون من نبات الأرض أو من جلود الحيوان وأصوافها، وقوام جميعها بالمطر النازل من السماء" [أحكام القرآن للجصاص (ج4ص203) ] .
وقال السمعاني: "وفي معنى (أنزلنا عليكم) ثلاثة أقوال، أحدها: خلقنا لكم, والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه, والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباس" [تفسير زاد المسير لابن الجوزي (ج3ص181) ] .
وقد يصح أن معنى (الإنزال) في الملابس باعتبار الأصل وهي ترجع للمطر, وقد يصح نزول القرآن باعتبار العلاء المعنوي تشريفا, ويصح الجمع بين الحالتين بالتمثيل بالغيث ينزل ليغشي الأرض العطشى وينقذها من الهلاك.