ولذا فقد رخص الشارع في حزن القلب، ودمع العين، وفي البكاء الذي تمليه الطبيعة الإنسانية، فما لا يمكن دفعه ولا يقوى المصاب على دفعه، بشرط أن لا يبلغ الحدّ المنهي عنه. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم" البخاري (1304) ، ومسلم (924) ، بل إنه - صلى الله عليه وسلم- بكى حين رفع إليه صبي، ونفسه تقعقع، أي تضطرب عند الاحتضار، وفاضت عيناه، فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه البخاري

(1284) ، ومسلم (923) .

وبناء على ما تقدم، فإن أخواتنا المجاهدات في فلسطين كغيرهن من المسلمات في هذا الحكم، بل إن أولادهن الذين يقتلون من أجل الجهاد في سبيل الله يعتبرون شهداء، وهؤلاء أحق بالفرح منهم بالحزن، ولذا أصبحنا، ولله الحمد نسمع عن بعض الأمهات هناك ينهين عن تعزيتهن بأولادهن، ورأينا منهن من مشاهد الصبر والاعتزاز ما تتطاول القامات زهواً به، وهؤلاء المسلمات الفاضلات يذكرننا بأخت (عبد الله بن عمرو بن حرام) لما بكت على أخيها حين قتل يوم أحد، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "م تبكي - أو لاتبكي- فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" رواه البخاري (1244) ، ومسلم (2471) ، وهذا لفظ البخاري، وحسب أم الشهيد- الذي مات في سبيل الله- قول الله عز وجل "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" (آل عمران: من الآية170) . والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015