المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ العلم/مسائل متفرقة
التاريخ 1/3/1423
السؤال
أنا رجل مسلم أعيش في إحدى الدول الغربية، وأنا -ولله الحمد- من الفيزيائيين المتفوقين في هذه الدولة، ولكن هناك سؤال يؤرقني ويقض مضجعي ويبكيني، وهو: هل سأستفيد في الدار الآخرة من إفناء عمري في تعلم وتعليم علم الفيزياء النووية؟ علماً أن علم الفيزياء له دور أساسي في إقامة الحضارات ومحوها، وهل سيكون لي حظ يوم القيامة بعملي هذا، أم سأكون من المحرومين؟ كما أنني ألقي المحاضرات للطلاب بالمجان، فهل أنا مأجور على ذلك؟
الجواب
نعم لك أجر عظيم -إن شاء الله- على تعلمك وتعليمك الفيزياء للآخرين إذا أخلصت النية لله رب العالمين، وتعلم العلوم منه ما هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ومنه ما هو فرض كفائي إذا قام به من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن باقي الأمة، والعمل الذي هو فرض عين ما يتوقف عليه صحة اعتقاد الإنسان وأداء شعائر دينه كالعلم بأركان الإسلام وأركان الإيمان والعمل بمقتضاها، ففي الصلاة مثلاً يجب تعلم فروض الوضوء، ونواقضه، وأركان الصلاة وواجباتها، دون معرفة السنن والنوافل والآداب، ويجب على المسلم إذا اشتغل بالتجارة أن يعرف أحكام البيع والشراء الأساسية دون التفاصيل الجزئية لأحكامه، فمن الضروري فيه أن يجتنب الربا والغش والتدليس، حتى العلوم التجريبية من طب، وهندسة، وكيمياء، وفيزياء، وزراعة، ومحاسبة، واقتصاد ... إلخ، قد يكون تعلمها وتعليمها فرض عين أو فرض كفاية.
تكون فرض عين على أشخاص أو نخبة متخصصين بأعيانهم لا يوجد غيرهم في المجتمع والأمة بحاجة ماسة إلى علمهم، وقد يكون فرض كفاية على الأمة إذا تصدى لهذا العلم من يكفي حاجة المسلمين فيسقط الإثم في التقصير في طلبه عن العامة لقيام فئة به نيابة عنهم.
وعلم الفيزياء في هذا العصر من أهم علوم الحياة وأخطرها -كما هو مسطور في السؤال-، فإذا علّمت أيها السائل مسلماً وأنت تريد بذلك وجه الله فلك أجره وأجر من علم وعمل بعلمه من المسلمين إلى يوم القيامة؛ لأنك حينئذٍ دللته على الخير فيما ينفعه في دينه ودنياه، والدال على الخير كفاعله، وسيبارك الله لك في علمك وعملك، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وتعلم هذا العلم وتعليمه لأفراد المسلمين أو عامتهم لإعداد العدة للعدو المأمور بها:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" [الأنفال:60] .
أراه داخلاً في الآية وفي الحديث الصحيح الذي يرويه أصحاب السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:" إن الله -عز وجل- يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به ومنبله" رواه أبو داود (2513) والنسائي (3146) وأصله عند مسلم (1919) من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- وانظر (مصابيح السنة للبغوي: 2925) ، فالصانع في الحديث يقابله المعلم، والمتعلم يقابله الرامي، والدال على هذا العلم والمساعد عليه بأي نوع من المساعدة هو المنبل.
والخلاصة في الجواب: أن أجرك مضاعف -إن شاء الله- مرتين الأولى: لتخصصك وتفوقك في هذا الفن -الفيزياء-لا سيما إذا علمته للمسلمين، والثانية: لما تقوم به من تدريس وتعليم لإخوانك من تفسير القرآن وبيان أحكام الدين، فهنيئاً لك يا أخي ما أنت عليه، فعض على ذلك بالنواجذ، وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه، وثبتنا على الحق حيثما كنا، آمين.