ثم إن الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإذا كان قد تقدم، بأن يرزق العبد بسعيه، واكتسابه ألهمه السعي، والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب، كموت مورثه يأتيه بغير اكتساب.
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم، بل فيه تقييد المسببات بأسبابها، كما قدر الشبع والروي، بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط هذه المسببات بأسبابها يقتضي علم خلاف العلم السابق، أو ينافيه بوجه من الوجوه.
وبهذا يتبين صحة دعاء عمر - رضي الله عنه-، وإذا أردت مزيد بيان لهذه المسألة فارجع إلى تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص89) ، وإلى شرح صحيح مسلم للنووي
(16/114) ، وإلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (8/540-541) ، وعلى إفادة الخبر بنصه في زيادة العمر، ونقصه للسيوطي، وإلى تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل للشوكاني، وإلى أقوال المفسرين في قوله - تعالى-: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" [الرعد:39] .