معك فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني، وفي هذا الإسناد انقطاع، ويعتضد بما أخرجه الزبير بن بكار عن عثمان عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عروة بن الزبير قال: كان بلال لجارية من بني جمح وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول: أحد أحد فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول أحد أحد يا بلال والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا، قال الحافظ ابن حجر: " وهذا مرسل جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال ". [الإصابة في تمييز الصحابة (6/607) ] ويمكن أن يسلك مسلكان بين الرواية التي تدل على تأخر ورقة حتى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وما جاء في الصحيح أنه توفي قبل ذلك، أحدهما: أن يرجح ما في الصحيح لأن ما في الصحيح أصح، ويقال: يكفي في إيمانه وتصديقه ما جاء في الصحيح كما تقدم عن الحافظين ابن كثير وابن حجر. ثانيهما: أن يقال بالجمع بين ما جاء في الصحيح وما ورد من تأخر ورقة، وذلك أن يقال: قوله وفتر الوحي ليست للترتيب، قال الحافظ ابن حجر: " فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكراً بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع " [ينظر: فتح الباري (1/27) ] ، وقد ألف أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي الشافعي تأليفاً في إيمان ورقة بالنبي وصحبته له، قال البغدادي في خزانة الأدب (3/391) : " ولقد أجاد في جمعه وشدد الإنكار على من أنكر صحبته، وجمع فيه الأخبار التي نقلت عن ورقة - رضي الله عنه - بالتصريح بإيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسروره بنبوته، والأخبار الشاهدة له بأنه في الجنة ... " ثم قال البغدادي: " وحاصل ما ذكره البقاعي في شأن ورقة بن نوفل: أنه ممن وحد الله في الجاهلية، فخالف قريشاً وسائر العرب في عبادة الأوثان وسائر أنواع الإشراك، وعرف بعقله الصحيح أنهم أخطئوا دين أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، ووحد الله تعالى واجتهد في تطلب الحنيفية دين إبراهيم ليعرف أحب الوجوه إلى الله تعالى في العبادة، فلم يكتف بما هداه إليه عقله، بل ضرب في الأرض ليأخذ عن علمه عن أهل العلم بكتب الله المنزلة من عنده، الضابطة للأديان، فأداه سؤاله أهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم إلى أن اتبع الدين الذي أوجبه الله في ذلك الزمان، وهو الناسخ لشريعة موسى عليه السلام: دين النصرانية، ولم يتبعهم في التبديل، بل في التوحيد، وصار يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام، فلما أخبرته ابنة عمه الصديقة الكبرى خديجة رضوان الله عليها بما رأت وأخبرت به في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، من المخايل: بإضلال الغمام ونحوها ترجى أن يكون هو المبشر به، وقال في ذلك أشعاراً يتشوق فيها غاية التشوق إلى إنجاز الأمر الموعود، لينخلع من النصرانية إلى دينه، لأنه كان قال لزيد بن عمرو بن نفيل - لما قال لهم العلماء: إن أحب الدين إلى الله دين هذا المبشر به -: أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتي هذا النبي، فلما حقق الله الأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015