قلت: وهذا بالنسبة للعلماء المجتهدين، أما بالنسبة للمقلد وعوام الناس فإنه يقلد في ذلك الخلاف العلماء المجتهدين، وأعني بالعلماء المجتهدين: علماء السلف الصالح المتبعين لأدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة والأدلة الشرعية، دون أئمة البدع الذين يُعرضون عن أدلة الشرع ويقدمون القياس والعقل على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعمل الصحابة، بل يقعون في أعراضهم، فمثل هؤلاء الذين يخالفون أدلة الشرع يجب على المسلم أن يحذرهم ولا يثق بأقوالهم، وقد قال السلف الصالح في مثل هؤلاء: إذا رأيتم الرجل صاحب هوى ويسب الصحابة والسلف الصالح فاعلموا أنه صاحب بدعة، ولا شك أن قول الصحابي أو مذهبه أولى من غيره مع عدم الدليل؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- أعدل الناس وأبرُّ الناس وأتقاهم، وقد بلغوا الذروة في التقوى، ومن كان كذلك فقد وعده الله العلم، ووعْدُه -تعالى- حق، ومن أصدق من الله قيلاً، يقول الله -عز شأنه-:"واتقوا الله ويعلمكم الله"، ثم إن الصحابة -رضوان الله عليهم- لديهم من الصفات والوسائل ما يجعلهم جديرين بأن يكون قولهم صواباً يجب تقديمه على قول غيرهم لملازمتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يجعلهم يعرفون مراده في إشاراته وكلامه ونغمات ونبرات صوته وما يظهر على وجهه من سرور وفرح، أو كراهة وبغض، وحضروا نزول القرآن وعرفوا أسباب نزول الآيات ومناسبات نزولها، ووقتها وما يراد منها، وعرفوا الناسخ والمنسوخ، والمنطوق، والمفهوم، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، كيف لا وهم أرباب الفصاحة والبيان، لم تخالطهم عجمة ولم يتأثروا بمجتمعات أخرى غير المجتمع الذي نزل فيهم القرآن، إنك لو أتيت برجل أعجمي وجعلته ملازماً لك يخدمك أو يقوم بعمل لديك لوجدته أعرف الناس بكلامك وإشاراتك، ومرادك من غيره حتى من العرب، فكيف بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟