وقد راجعت أحاديث أبي مجلز عن معاوية في الكتب التسعة ومسند الشافعي وأبي عوانة ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومنتقى ابن الجارود وصحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم وسنن الدارقطني وغيرها كثير، فلم أجد رواية واحدة تصرِّح بسماعه من معاوية -رضي الله عنه-، ولم أقف له عن معاوية إلا على خمسة أحاديث:
أحدها: حديث "من سره أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار"أخرجه أحمد (4/100) وغيره، والثاني: عند الطبراني في الكبير (19/352) :"إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهما" والثالث: عند ابن حبان في المجروحين (3/159) ، والرابع: عند ابن عدي في الكامل (2/109) وكلاهما منكر، والخامس: عند ابن أبي عاصم في الزهد موقوفاً عليه (113) ، ولم أقف في جميع هذه الطرق على ما يدل على سماع أبي مجلز من معاوية -رضي الله عنه-، وعليه فلا يحكم لهذا الحديث بالاتصال مع عدم ثبوت دليل واضح على سماعه منه.
الرابع: أنه على فرض صحته فقد ثبت في الصحيحين البخاري (6000) ومسلم (2601) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة".
وفي صحيح مسلم (4/2007) ح (2600) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو! فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا، قلت: يا رسول الله من أصاب من الخبر شيئاً ما أصابه هذان! قال: وما ذاك؟ قالت: قلت لعنتهما وسببتهما، قال:"أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قال:"اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً".
وجاء نحوه من حديث جابر وأنس -رضي الله عنهما-.
ولهذا كان من فقه الإمام مسلم -رحمه الله- أنه أورد في صحيحه ح (2604) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة، وقال:"اذهب وادع لي معاوية"، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، فقال:"لا أشبع الله بطنه" أورد مسلم هذا الحديث بعد حديث عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- وغيرهما ليبين أن هذه الدعوة التي لحقت معاوية -رضي الله عنه- صارت بذلك الشرط الذي اشترطه النبي -صلى الله عليه وسلم- منقبة له -رضي الله عنه-، فقد تحولت هذه الدعوة إلى كونها زكاة ورحمة، وقربة يتقرب بها يوم القيامة، ولهذا يعد أهل السنة هذا الحديث وأمثاله في مناقب معاوية -رضي الله عنه-، والله أعلم.