وقال البيهقي: (دلائل النبوة 2/523- 525) : باب أول خطبة خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم المدينة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني المغيرة بن عثمان بن محمد بن عثمان، والأخنس بن شريق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: كانت أول خطبة خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة أن قام فيها فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راعٍ ثم ليقولن له ربه - ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه-: ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالاً، وأفضلت عليك، فما قدمت لنفسك؟ فينظر يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً، ثم ينظر قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزئ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته"، ثم خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة أخرى فقال: " إن الحمد لله أحمده وأستعينه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن أحسن الحديث كتاب الله، قد أفلح من زينه الله في قلبه، وأدخله في الإسلام بعد الكفر، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه، أحبوا من أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره، ولا تقس عنه قلوبكم، فإنه من يختار الله ويصطفي فقد سماه خيرته من الأعمال، وخيرته من العباد، والصالح من الحديث، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتقوه حق تقاته، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم، إن الله يغضب أن ينكث عهده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ".
وفي إسناد ابن جرير والبيهقي إرسال، قال ابن كثير بعد أن ذكر أن طريق ابن جرير والبيهقي فيهما إرسال قال: إلا أنها - أي رواية البيهقي - مقوية بما قبلها وإن اختلفت الألفاظ (البداية والنهاية (4/528) .
ويستدل بما نقل من خطبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريقته في الخطبة وهديه فيها فمن ذلك: يقول ابن القيم - رحمه الله -: كانت خطبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه، وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيماناً وتوحيداً ومعرفة الله وأيامه.