المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 18/08/1425هـ
السؤال
ما مدى جواز قول القائل: (عرفنا ربنا بالعقل) . تفصيلاً؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
لقد فطر الله عباده على معرفته، فإن الإنسان بفطرته يعلم أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وأن المُحدَث لا بد له من مُحدِث، وقد ذكر الله الأدلة الكونية من آيات السماوات والأرض على وجوده، وقدرته، وعلمه، وحكمته، ولهذا يذكر الله عباده بهذه الآيات، وينكر على المشركين إعراضهم عنها، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105] .
وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف: من الآية185] . ويقول تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الروم: من الآية8] . والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وأفعاله على وجه التفصيل، إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- جاؤوا بتعريف العباد بربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء والصفات تفصيلاً هو ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علمًا مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْمًا" [طه: 110] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" أخرجه مسلم (486) . وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع، وهو النقل، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأن من أسمائه وصفاته ما يعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع، وهو الوحي، وجعل العقل تابعًا مهتديًا بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلال من الفلاسفة والمتكلمين.
ووفق الله أهل السنة والجماعة للاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار السلف الصالح، فحكّموا كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا الأمور في مواضعها، وعرفوا فضيلة العقل، فلم يعطلوا دلالته، ولم يقدموه على نصوص الكتاب والسنة، كما فعل الغالطون والمبطلون، فهدى الله أهل السنة صراطه المستقيم، فنسأل الله أن يسلك بنا سبيل المؤمنين، وأن يعصمنا من طريق المغضوب عليهم، والضالين. والله أعلم.