المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /الترفيه والألعاب
التاريخ 10/8/1422
السؤال
ما حكم سماع الدف؟
مع أنه يشكل عليّ سماع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصغيرات، وأيضاً استقبال المسلمين له - صلى الله عليه وسلم - بعد رجوعه من تبوك.
الجواب
الحمد لله، وبعد: فيا أيها المحب، لا إشكال فيما تذكر - بحمد الله تعالى - لأن العلماء يفرقون بين السماع والاستماع، فالاستماع في هذا المقام - وهو المنهي عنه - هو أن يصغي له إصغاء المتلذذ والمستطرب له فهذا إنما يجوز لمن أُذن له فيه كالنساء والصبيان في الأعراس أو عند قدوم الغائب ونحو ذلك مما جاءت الشريعة بالترخيص فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في "الاستقامة" (1/275) : "يرخص للنساء في الغناء والضرب بالدف في الأفراح، مثل قدوم الغائب، وأيام الأعياد، بل يؤمرون بذلك في العرسات ... " أ. هـ.
بينما السماع الذي يعرض للإنسان، بحيث يسمع أناساً أُذِنَ لهم في الغناء - كالنساء والصبيان، في العرس مثلاً - ثم يصل صوته للشخص الذي لم يؤذن له بالسماع - كالرجال - فإن الإنسان يؤمر بعدم الإصغاء والتلذذ بذلك، وأما مجرد وصول الصوت، فلا يؤمر الرجل بسدِّ أذنيه، أو مغادرة مكان حفل العرس - مثلاً - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذِن لعائشة - رضي الله عنها - أن ترقى على ظهره لتستمع إلى غناء الحبشة، انظر ما رواه البخاري (454) ، ومسلم (892) ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع له، ولكن لم يكن يستمع له، ولهذا لم يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على إنكاره على وصول هذا الصوت إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل قال: "دعهما يا أبا بكر: إن لكل قوم عيداً، انظر ما رواه البخاري (3931) ، ومسلم (892) وهذا عيدنا ".
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى (11/565) : " وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب، إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الامر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت زمارة راع فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ هل تسمع؟ حتى انقطع الصوت انظر ما رواه أبو داود (4924) ، وأحمد (4535) فإن من الناس من يقول - بتقدير صحة هذا الحديث - لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه.
فيجاب بأنه كان صغيراً، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد" أ. هـ.
وقال في موضع آخر (29/522) : "غناء الإماء الذي يسمعه الرجل قد كان الصحابة يسمعونه في العرسات".
وبما سبق يتبين للأخ السائل الجواب عما أورده، والله تعالى أعلم.